|
ما أجلى وأصدق قول الإمام المُجَدِّد حسن البنا، في وصفه للمجاهد!؛ حيث يقول: "أستطيع أن أتصور المجاهد شخصًا قد أعدَّ عُدَّتَه، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدًا.. إن يُدْعَى أجاب، أو نُودِيَ لبّى، غدوة ورواحة، وحديثه وكلامه وجده ولعبه، لا يتعدى الميدان الذي أعدَّ نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يَدُلّك على ما يضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة".
- ثم يقول: "أما المجاهد الذي ينام ملء جفنيه، ويأكل ملء ماضغيه، ويضحك ملء شدقيه، ويقضي لاهيًا لاعبًا عابثًا ماجنًا، فهيهات أن يكون من الفائزين أو يُكْتَب في عداد المجاهدين".
كلمات غالية.. ووصف دقيق.. فهل نحن مجاهدون؟
- من صفات المجاهدين:
1- المجاهد في قُرْبٍ من الله دائمًا، طالبًا الاستشهاد في موقف خطبة ودعوة إلى الله.. كاستشهاد عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه، حين خرج يدعو قومه إلى الإسلام، وكان فيهم محببًا لدرجة أنه أحد الاثنين العظماء اللذين عناهما المشركون في قوله تعالى على لسانهم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)﴾ (الزخرف)، فلما أشرف لهم من غرفة له، وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كلِّ وَجْهٍ فأصابه سهم فقتله.
2- المجاهد عالي الهمة، كعلو همة الأسلمي رضي الله عنه.. قال ابن القيم في مدارج السالكين: إذا أردت أن تعرف مراتب الهمم، فانظر إلى همة ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلني"، فقال أسألك مرافقتك في الجنة، وكان غيره يسأله ما يملأ بطنه أو يواري جلده.
3- المجاهد صادق الوعد، كما صدق أنس بن النضر رضي الله عنه، روى أنس بن مالك أن أنس بن النضر رضي الله عنه غاب عن قتال بدر فقال: "أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده! لئن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتال مع قريش بعد هذا اليوم ليرين الله عز وجل ما أصنع"، وهاب أن يقول غير ذلك، فلما كان يوم أحد وانهزم الناس، فقال سعد بن معاذ: فاستقبلته فقال: يا سعد إلى أين؟ واهًا لريح الجنة! إني لأجد ريحها دون أحد! فتقدم فقاتل حتى قُتل، وأصيب ببضع وثمانين جرحًا بين ضربة بسيف وطعنة برمح، ورمية بسهم، فما عرفته أخته إلا ببنانه، فنزلت ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ (الأحزاب: من الآية23)، فكذلك يكون الوفاء بالعهد والعزم.
4- المجاهد يشعر بالواجب وعظم التبعة كقدوة للناس.. ويتحمل في سبيل ذلك كل محنة وبلاء، كما شعر الإمام العظيم أحمد بن حنبل في فتنة القول بخلق القرآن، وتحمله من أجل الحفاظ على الأتباع؛ لأن سقطة القدوة ضياع للصف وللأمة.
5- المجاهد يمتاز بشجاعة يربطها حذر، وطاعة يحدها وعي، وطاقة يصرفها تخطيط، ورغبة تغربلها تجارب.
6- المجاهد رجل القضية الإسلامية، سماته إيمان يعمقه تفكر.. وعبادة يصحبها عمل.. وألم يبعثه واقع المسلمين .. وأمل يفتحه رجاء رحمة الله.. وثقة يغذوها قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ (المجادلة: من الآية 21).
7- المجاهد إن سُئل عن طريقته، قال: الاتباع، وعن خرقته، قال: لباس التقوى، وعن مقصوده ومطلوبه، قال: يريدون وجه الله، وعن قضائه لوقته في الغدو والرواح، قال: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ (النور: من الآية 36) وفي ميادين الدعوة ورد الناس إلى طريق الحق، وعن نسبه، قال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا ما افتخروا بقيس أو تميم
7- المجاهد تراه ذاكرًا ومستغفرًا ولكتاب الله قارئًا، وللسانه حافظًا، ولجوارحه حارسًا، ولحرمة الآخرين متحسبًا بل ممتنعًا.
8- المجاهد إن تكلم فبالدعوة، وإن ترك فللدعوة، وإن رَحَل فمع الدعوة، فهو للدعوة وبالدعوة ومع الدعوة.
9- المجاهد يحبُّ الخفاء، ويخشى الرياء، فهو من الغرباء.
10- المجاهد يطيل القيام، ويأنس بالخلوة في جوف الليل، فهو والليل فرس رهان.
فهل نحن مجاهدون؟!
---------------
المصدر : إخوان أون لاين
بقلم: د. ماهر أبو عامر
* عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق