24‏/12‏/2009

(¯`°´¯).·:*´¨¨`*:· الصـداقـــة ·:*´¨¨`*:·.(¯`°´¯)







يقول الامام الشافعي عن الصداقة



"احب من الاخوان كل ثقاتي


وكل غضيض الطرف عن عثراتي


يوافقني في كل امر اريده


ويحفظني حيا وبعد مماتي


فأين لي ليت اني اصبته


لقاسمته مالي من الحسنات


تصفحت اخواني فلم اجد


على كثرة الاخوان اهل ثقات"


  *´¨¨`**´¨¨`**´¨¨`**´¨¨`**´¨¨`*
فهل يا ترى ألقى صديـق
 
وهل يا تـــرى
 
يكون حقـاً صـديــقٌ صـدوق
 
من يريــد صـديـقـــاً لابــد لــه أن يبحــث عنــه
 
وأن يجــد ويجتــهد حتـي يصــل إلى مراده
 
صديقــك مرآتك
 
هو سبيلك إلى الجنــة أو إلى النار والعياذ بالله
 
ترى أين تريــد أن تذهـب ؟
 
وإلى أي مآل تريــد أن تصل ؟!!
 
صديقك طريقك
 
فأحســن الإختيـــار
 
وإلجــأ إلى المولى وأطلب منه الصديق
 
فهو كنز لمن يجده
 
 
تحـيـــــتي

 

22‏/12‏/2009

الهجرة النبوية ومنهجها الحركي










تناولت كتب السيرة أحداث الهجرة ووقائعها وأشخاصها، ولعل المهتم بدراستها يرى في كتاب (المنهج الحركي للهجرة النبوية) لمؤلفه منير الغضبان تناولاً مختلفًا يربط أحداث الهجرة ودروسها بكل ما حدث وما سيحدث، وما يمكن أن يتعلق بالحركة الإسلامية، فتتفاداه في المستقبل.







وقد أوضح المؤلف- في مقدمة كتابه- الباعث الرئيس الذي دفعه أن يكتب عن السيرة بهذا الشكل المختلف فيقول: "أما فكرة المنهج الحركي للسيرة فقد انبثقت في الفكر انبثاقًا يختلف عن الأصل الذي كنت أفكر فيه، لا أزال أذكر في بداية الستينيات عندما طلع علينا الشهيد سيد قطب- رحمه الله- في كتابه (معالم في الطريق) وكان نقطة تحول حساسة في الفكر الحركي الإسلامي، وقفتُ مليًّا أمام هذه الفقرة (والسمة الثانية في منهج هذا الدين هي الواقعية الحركية، فهو حركة ذات مراحل، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها، فهو لا يقابل الواقع بنظرات مجردة، كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجددةٍ، والذين يسوقون النصوص المختلفة بكل مرحلة منها، الذين يصنعون هذا يخلطون خلطًا شديدًا ويُلبسِون منهج هذا الدين لباسًا مضللاً، ذلك أنهم يعتبرون كل نصٍّ منها كما لو كان نصًّا نهائيًّا، يمثل القواعدَ النهائيةَ في هذا الدين، ويقولون- وهم مهزومون روحيًّا وعقليًّا تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان-: إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع أو يحسبون أنهم يُسدُون إلى هذا الدين جميلاً بتخليهم عن منهجه، وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعًا، وتعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد، لا بقهرهم على اعتناق عقيدته، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة".







وهنا نستعرض من كتابه القيم ما يتعلق بحادثة الهجرة، يقول المؤلف تحت عنوان (اختيار الأرض وسرية التجمع فيها والهجرة إليها): يقول ابن إسحاق: "فلما أذن الله تعالى في الحرب، وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن تبعه وآوى إليه من المسلمين أمر رسول الله أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكةَ من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحاق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأتمنون فيها، فخرجوا وأقام رسول الله بمكة ينتظر أن يأذن له ربه بالخروج من مكة والهجرة إلى المدينة".







لقد قيلت مثل هذه الكلمة من رسول الله للمسلمين يوم دعاهم للهجرة إلى الحبشة "إن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد"، أما اليوم فقد جعل الله لكم إخوانًا ودارًا تأمنون فيها.






والفرق بين المركزين والمنطلقين واضحٌ من حيث الموقع؛ حيث نجد الحبشة بعيدةً ولا تصلح لتكون مركزًا لإقامة الدولة بعيًدا عن الأرض والبيئة العربية، ومهما قَوِيَت فستبقى محصورةً ضمن إطار المهاجرين أنفسهم، والحركة ستكون مشلولةً للمواجهة، بينما نجد المدينة وإن كانت بعيدةً عن مكة لكنها تحتل موقعًا حسَّاسًا بالنسبة لمكة، فهي قادرةٌ على خنق مكة اقتصاديًّا؛ لأن طريق قوافل قريش عليها، والتجارة عصب الحياة لقريش، كما أن البيئة واحدة والعرب يمكن أن تتمَّ الدعوةُ في صفوفهم وأن يتقبلوها.







ومن حيث البيئة فالاعتماد في الحبشة على الحاكم العادل الذي قد يتغير في أية لحظة فيصبح المسلمون على خطر داهمٍ، وقد رأينا أن ذلك قد وقع فعلاً حين قامت الثورة ضد النجاشي، فهيأ للمسلمين سفينتين ليغادروا الحبشة إن تم النصر لعدوهم، وهو يعلم أن المسلمين هم المستهدفون من هذه الثورة.






والحركة الإسلامية لا بد أن تراعي أنها حين تبحث عن الأرض ليست دائمًا تملك الحرية التي تريدها للاختيار، فقد تضطرها الظروف إلى مكانٍ غيرِ مناسبٍ تمامًا، ولا بد لها من قبوله ريثما تجد المكان الأفضل.







لقد بقيت الحبشة مأمنًا للمسلمين فترةً طويلةً، حتى بعد وجود يثرب، ولكنها لم تكن مركزًا لإقامة الدولة، وحين أُتيحت الظروف في المدينة كانت، فتوفيقٌ ربانيٌّ أن قَبِل وفد الحجيج اليثربي الإسلامَ، فلو فشلت المفاوضات مثلاً في الحماية أو نجحت محادثات "شيبان" أو "كندة" لكان الموقع متغيرًا حسب المعطيات القائمة، وأدَّى هذا إلى رحيل عائلات بأكملها، فقبيلة بني غنم رحل أربعة عشر رجلاً منها وسبع نسوة لمجرد الإذن بالرحيل، كما تحرك عمر- رضي الله عنه- وأهله وحلفاؤه، وتتابع المسلمون يهاجرون، فلا يحس المشركون إلا وهم خارج مكة.

 


القضاء على القيادة

وتحت عنوان (اجتماع العدو للقضاء على القيادة) يقول المؤلف: فلما رأت قريش أن رسول الله قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم وغير بلدهم، ورأَوا خروجَ أصحابه من المهاجرين إليهم، وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج، فعرفوا أن الدار دارُ منعةٍ، وأن القوم أهل حلقة وبأس وشوكة، فخافوا خروج رسول الله إليهم ولحاقه بهم وعرفوا أنه أجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار الندوة- ولم يتخلَّف أحدٌ من ذوي الرأي والحجة منهم- ليتشاوروا في أمره، فقال أبو جهل: إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد، فقالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًّا جلدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كل فتى سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربةَ رجلٍ واحدٍ، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرَّق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم.. قال: يقول الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا رأي غيره، فتفرَّق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه.







وهذه السمة تعني أن اغتيال القيادة وإنهاءَها هو هدف رئيس بالنسبة للعدو، وكثيرًا ما يتصوَّر العدو أن انتهاء القائد يعني انتهاء المواجهة والجهاد والثورة، وبالرغم من خطورة هذا الأمر والدور الرئيس للأمير في الجماعة، فليس هذا التصور صحيحًا بشكل دائم، إنه قد يعيق الحركة، وقد يجهض الثورة، لكنَّ المعاني الإسلامية المتغلغلة في نفوس شباب الدعوة لا يمكن أن تنتهي بانتهاء القيادة.






ولقد رأينا كيف أن الشيخ النجدي- الذي حضر اللقاء- كان يفنِّد كل رأي غير رأي القتل، ويحذِّر من خطورةِ بقاءِ الرسولِ حيًّا، وهو الرأي الذي كان يحرص على الوصول إليه مع المتشاورين، والشيطان الذي وعده الله تعالى أن ينظره إلى يوم البعث نلاحظ أن مخططاته تنصبُّ دائمًا في رءوس أتباعه على إنهاء القيادة المسلمة في الأرض إنهاءً تامًّا، بل لا يدع للرأي المعتدل مجالاً أن يسود مهما كان.






محاولات يائسة

ولهذا نرى المحاولات اليائسة التي يقوم بها أعداء الإسلام لإنهاء الحركة الإسلامية عن طريق قتل قياداتها إعدامًا أو اغتيالاً، والذي يلحظ الحاكمين وهم يواجهون الحركةَ الإسلاميةَ رغم اختلاف مشاربهم ونوازعهم يلتقون جميعًا على قتل هذه القيادات، ففي مصر مثلاً كان اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا هو الهدف الرئيس الذي لا ترضى إنجلترا بدونه بديلاً، وقد التقى هدفها مع هدف الملك فاروق في ذلك.






وحين قامت الثورة المصرية كانت ترى في هذا الاغتيال ظلمًا كبيرًا حتى إنها شكَّلت محكمةً لمحاكمة قتلة الإمام الشهيد، غير أنها عندما رأت قوةَ الحركة الإسلامية سلكت الطريق نفسه الذي سلكه قبلها فاروق، فأقدمت على إعدام الدفعة الأولى للإخوان المسلمين والمكوَّنة من ستةٍ من قادة هذه الجماعة وعلى رأسهم الشهيد عبد القادر عودة ويوسف طلعت، ورغم مرور عشر سنوات على هذه المجزرة كان سيد قطب- رحمة الله عليه- من البقية الباقية من القيادة المفكرة للجماعة، ومنذ أن رأى الحاكم الطاغية القوةَ الفكريةَ لسيد تجتاح الأرض المصرية- وكان الاتحاد السوفيتي هو الذي يصرُّ هذه المرة على رأسه- فأعدمه دون أن يحتج أحدٌ من الحاكمين المسلمين وغير المسلمين- باستثناء طلب الملك فيصل رحمه الله- على ذلك، ورغم خطورة الإقدام على إعدامه واستياء العالم الإسلامي لذلك لم يتراجع الحاكم عن موقفه، ولم يرضَ غير الإعدام له مع إخوانه








عوامل النجاح

ثم ينتقل بنا المؤلف إلى أهم العوامل التي ساعدت في إنجاح هذا التخطيط، فيوضح في عدة عناصر عوامل هذا النجاح تحت عنوان (عبقرية التخطيط البشري في الهجرة) وهي مبيت علي رضي الله عنه في فراشه؛ حيث يوضح الكاتب مدى احتياج الحركة الإسلامية إلى أن تدرك واجبها في الإعداد لمواجهة العدو رغم اعتمادها الأول والأخير على الله تعالى، لا أن تُحيل تقصيرَها وضعفَها وتهاونَها على القَدَر، وتتوجَّع على عدم بصر الله لنا ونحن المسئولون عن ذلك.






الخروج في النهار (وقت الظهيرة): إذ إن هذه الساعة بالنسبة للناس ساعة القيلولة، وقلَّما يوجد إنسان في مكة خارج بيته من شدة الحر، خاصةً إذا عرفنا أن الخروج كان في أوائل أيلول في آخر شهر من أشهر الصيف، كما حققه العلامة المباركفوري، فهذا الخروج هو أضمن ما يكون للسرية، وأضمن أن يخفى عن العيون.






الخروج من الكوَّة: إذ قد يكون بيت أبي بكر مُراقبًا، وهو احتمال كبير بعد أن فات رسول الله المشركين، وإذا كانت المراقبة قائمةً من بيت مجاورٍ أو من مكانٍ فيه ظِلٌّ بعيد عن الأنظار فستكون المراقبة لباب البيت بالذات، يرصد فيه الداخلون والخارجون، فالخروج من مخرج سرِّي بعيدٍ عن المراقبة يعني ضرورةَ المحافظةِ الدائمةِ على السرية ووضع الاحتمالات الكثيرة لتخطيط العدو ومراقبته.






الاتجاه إلى الغار: وإذا توقعنا تخطيطَ مكة للقضاء على الرسول- عليه الصلاة والسلام- فسوف يكون طريق المدينة مرصودًا من جمعٍ غفيرٍ من الفرسان حتى يُحال دون وصوله إليها، كما أن التفكير البشري سينصبُّ طبيعيًّا على رصده؛ لأنه هو هدف الرسول- عليه الصلاة والسلام- وفي القبض عليه إنهاءٌ للمعركة كاملة معه، فاتجاه الرسول إلى الغار فوَّت على العدو مخططَه، وأحبطه، وفوَّت فرصةَ القبض عليه.






الغار على غير طريق المدينة: وتبدو عظمة التخطيط أكثر حين نعلم أن غار ثور في جنوب مكة، وليس على طريق المدينة حيث احتمالات الرصد.






المخابرات في مكة: أمر أبو بكر- رضي الله عنه- ابنَه عبد الله أن يتسمَّع ما يقول الناس فيهما نهارَه، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، فلا يكفي بقاء المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر في الغار مدةً معينةً، ثم ينطلقان- حسب التقدير- إلى المدينة، لا بد من التعرف مباشرةً على كل أسرار العدو ومخططاته وتوقعاته، بحيث تصل أولاً بأول إلى رسول الله.







ولهذا كلما كانت قيادة الحركة الإسلامية أعلمَ بواقع العدو وأدرَى بأسراره ولها في صفوفه من ينقل إليها كل تخطيطاته.. كان ذلك أنجح لها في تنفيذ خططها ومخططاتها، وما يوم حليمة بسرٍّ، والمحنة الرهيبة في حماة كان من أكبر أسبابها جهل القيادة بطبيعة مجريات الأمور هناك، وانقطاع الاتصال بين القيادة في الخارج والقيادة الميدانية في الداخل أسهَمَ إلى حدٍّ كبير في تطور الأزمة ومضاعفتها.






تأمين الزاد: حيث كان هذا دور أسماء بنت أبي بكر، فقد يكون المقام طويلاً في الغار، ولو انقطع الزاد عنهما فقد يهلكان من الجوع، ومن حقنا أن نتصور أنه بإمكان أسماء أن ينقل أخوها عبد الله لها صورةَ الواقعِ، وتنقل هي الزادَ والأخبارَ لرسول الله، لكنَّ قدرةَ أسماء على استيعاب الخبر وأبعاده أضعف من قدرة عبد الله، فلا بد من اعتماد أوثق الطرق كذلك في الوقت الذي كانت أسماء فيه أقدر على تأمين الزاد، ولكلا الأخوين اختصاصهما ومكانهما المناسب.






إعفاء الأثر: وإذا كان اقتفاء الأثر خيرَ دليل لمعرفة وجودهما في الغار، ولا سيما أن أسماء وعبد الله كانا يأتيان يوميًّا إلى الغار، فكانت غنم عامر بن فهيرة هي التي تأتي على آثار أقدامهما فتُعفِي الأثر وتزيل الاحتمال.






والشباب المجاهدون في القواعد والمختبئون فيها لهم في هذا الدرس- بكل جزئياته- ما يدفعهم إلى التعرف على كل وسائل السرية المطلوبة، وفقدان عنصر واحدٍ من هذه العناصر يجعل القاعدة معرَّضةً للكشف من العدو.






الاستمرار ثلاثة أيام: لأن الخروج إلى أي مكان في الأيام الأولى يجعلهما عرضةً للوقوع في قبضة العدو، كما أن المدة الزمنية هذه كانت مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بالمعلومات المقدَّمة من عبد الله بن أبي بكر عن خفة الطلب عليهما، كما أن الاستقرار أكثر من اللازم قد يلفت النظر من الآخرين؛ حيث يتكرر المرور عليهما من أسماء وعبد الله كل يوم.






الإرادة الربانية تتدخل: حيث خرج كفار قريش يطوفون في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه، فقال أبو بكر لرجل مواجه الغار: يا رسول الله إنه ليرانا، فقال: "كلا إن ملائكةً تسترنا بأجنحتها" فجلس ذلك الرجل فبال في وجه الغار، فقال رسول الله: "لو كان يرانا ما فعل هذا"، والدعاة إلى الله بحاجة دائمًا إلى أن يكون راسخًا في أعماقهم عونُ الله لهم حين تعجز قوتهم البشرية عن إدراك ما يخطط لهم العدو بعد استنفاد الطاقة واستفراغ الوسع، وأن تكون لديهم القناعة التامة كذلك بأن النصر أولاً وأخيرًا بيد الله.






الاستفادة من خبرة المشركين: حيث استأجرا عبدَ الله بن أريقط ليكون دليلهما في الرحلة وهو ما زال على شِركِه، فالاستفادة من خبرته قائمة ما دام مأمونًا لا ينقل الأخبارَ للمشركين، وعلى هذا فالاستفادة من الطاقات غير الإسلامية ممكنة حين تجد الحركة الإسلامية نفسها مضطَّرةً لذلك، على أن يكون أصحاب هذه الطاقات مأمونين وموثوقين.






متابعة التمويه: حين سُئِل أبو بكر: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني الطريق، يعني به سبيل الخير.. إن الدعاة إلى الله لا بد أن يكونوا على قدر من الوعي والنباهة وحضور البديهة وحدَّة الذاكرة، ما يجعلهم قادرين على خداع عدوِّهم والإفلات من يديه دون أن يستعمل أسلوب الكذب الصريح إلا عند الضرورة.






سُراقة والتعامل معه: وفي هذا درس مهمٌّ للحركة الإسلامية، وهو أن تملك القدرة على تحديد العدو من الصديق، وذلك في صفوف الكفار أنفسهم، وللحركة الإسلامية أن تأخذ من قلب أعدائها مَن تصبح القناعة عنده بانتصارها ليتعامل معها ويناصرها.






والنقطة الثانية أن لا يكون الحكم على الرجل أو الفئة من خلال القريب أو البعيد في عدائهم للإسلام، فمناط الأمر هنا في الثقة.






إن الحركة الإسلامية في مسيرها لإقامة دولة الإسلام قد تتحالف مع عدوٍ قريبٍ وتتعاون معه، بل تطلب منه جزءًا من المناصرة جليلاً أو يسيرًا إذا اطمأنت إليه، ولا شيء عليها إن أصابت التقدير بعد ذلك أو لا.






النقطة الثالثة التي نفقهها من هذه الحادثة هي فكرة الأمان لهذا العدو الذي غيَّر موقفه، وأعلن مناصرته وولاءه.






إن سلوك الكافرين ومواقفهم من الحركة الإسلامية يجعل لدى الحركة حريةَ التعامل معهم من خلال هذه المواقف؛ بحيث يكون الأمر في النهاية لصالح الإسلام ودولته، وكم نتمنَّى للقاعدة الإسلامية الصلبة أن تكون عونًا لقيادتها على هذا التحرك، لا أن توجَّه لها سهامُ النقد والتجريح والاتهام في وعيِها على أقل الأحوال ليصل الاتهام إلى دينها في أغلب الأحوال.






قصة أم معبد: والذي يعنينا منها أنها كانت على بعض الروايات سببًا في ملاحقة النبي- صلى الله عليه وسلم- والراكب معه، وعلى الأقل حدَّدت هذه الزيارة مكانَ السير، ومع ذلك فلم يكن لهذا الأمر ما يُثِير الغبار حول كشف المخطط أو مكان السير وطريقه، وقصدنا من هذه الملاحظة التأكيد على أن ما يتم فوق الطاقة البشرية من كشف لجانب من جوانب الخطة قد يكون قوةً للدعاة.






فالبرغم من أن السرية التامة كانت على الجميع حتى العصبة المؤمنة ما عدا من اشترك فيها (عائشة وأسماء وابن أريقط وعبد الله وابن فهيرة) مع هذا كله تكشَّف جانب من الخطة كان فوق التقدير البشري.






ويُنهِي المؤلف كتابه قائلاً: وما أحرانا ونحن قد شهدنا عبقرية التخطيط أن لا تغيب عنا هذه الجوانب:


أولاً: علينا أن نستفرغ الوسع ونبذل كل الطاقة في التخطيط البشري.


ثانيًا: أن يكون اتكالنا على الله تعالى دون اعتمادنا على الأسباب.


ثالثا: أن نقبل قضاء الله وقدَره فيما هو فوق طاقتنا، ونطمئنَّ إلى أنه خيرٌ للإسلام والمسلمين.

هذا وبالله التوفيق




نقــلاً عـن مـوقع الإخــوان المسلميــن





هذاكـــر ؟!! ... لأ مش هـــذاكـــــــــــــر










مش عاوز اذكر....تعرف ان كتير من الطلبة بيقول الكلمة دى { اوعى تكون منهم }


بس تفتكر ليه هم بيقول الكلمة دى اكيد فى حاجة بتعكنن عليهم او فى مشكلة قديمة




بينهم وبين المذاكرة او فى عداء بايت بينهم وبين المذاكرة او ......... الخ

تعرف ان اللى مش بيذاكر ممكن يكون مش عاوز يذاكر عشان ميعرفش هو بيذاكر




ليه اساسا او هو نفسه يذاكر بس فى حاجات بتعطله .... اقول لك حاجة يلا بينا




نشوف ازاى نذاكر وخلى بالك احسن { شوشو } الشيطان يعنى يضحك عليك





اولا : اذاكر ليه : بص يا عم انا عاوزك تذاكر وتتفوق كمان .. ايه كمان اتفوق ليه






عشان مين كل ده

1- عشان رضى ربنا ... فتفوقى طاعة لربى




2- عشان الوالدين ... مش نفسك تفرحهم ويدعولك ونفسك يفتخروا بيك ولا انت زعلان منهم ..زعلان مين . بقولك ايه اوعى - شوشو- يضحك عليك


احنا هنذاكر ونفرحهم عشان هما اغلى حاجة فى الدنيا

3- لنصرة الدين والامة ...يا عم الامة كمان عيزانى اتفوق ... طبعا الامة محتاجة الدكتور المسلم الناجح فى عمله مش اللى ينسه الفوطة داخل بطن المريض ....


محتاجين المهندس الامين , والمعلم اللى يراعى ربنا فى شغله , والضابط اللى ينصر دايما الحق , والحرفى الناجح المتقن فى عمله .... الخ




4- عشان نفسك وطموحك ...ايوة كلمنى عن نفسى شوية ..مش نفسك تكون حاجة كبيرة فى المجتمع مش تقابل المحافظ ويكرمك مش نفسك تلاقى اسمك مكتوب بجواره ناجح ولا ...؟؟


5- واسباب غيرها كتير ونيات ممكن انت تقولها واسأل نفسك قبلها انا عاوز اذاكر واتفوق ليه ؟؟ مركز معايا




ثانيا : اعمل ايه ؟؟ كلام جميل طب اعمل ايه ... بص يا عم نعمل ايه

1- حدد نيتك قبل البدء بالمذاكرة { انا بذاكر ليه } زى ما قلنا

2- جهز مكان المذاكرة قبل ما تذاكر

3- اختار افضل اوقات المذاكرة ..الوقت اللى انت تحس فيه ان انت نشيط ومرتاح نفسيا وبدنيا


وبيقولوا ان هو بعد الفجر ..ايه بعد الفجر .. يا عم عاوز انام .. خلى بالك من شوشو الخبيث عاوز يضيعك .




4- خلى بالك من اصحاب السوء اللى شوشو ساعات بيتعلم منهم




5- افتكر يوم النتيجة { ناجح ولا ساقط } واوعى .... يضحك عليك

6- قبل كل ده احرص على رضا الوالدين ده احنا ماشيين ببركتهم وبدعائهم

7- اوعى تنسى عباداتك مع ربنا والدعاء والصلاة اهم حاجة







يا عم ده كلام جميل بس فى حاجات بتخنفنى لما اذاكر زى :

1- السرحان ..... بص يا عم اوعى تذاكر فى السرير , ذاكر بصوت مرتفع بس مش ميكروفون


عشان راسك متتعبكش , ذاكر بالورقة والقلم ولخص واكتب التلخيص

2- مش عاوز اذاكر ....... حدد هدفك من المذاكرة , تذكر يوم الامتحان .... ووضعك وسط زملائك واهلك




3- بمل بسرعة .......غير شكل مكان المذاكرة كل فترة مش كل دقيقة , انتقل من مادة لاخرى حسب جدولك


رفه عن نفسك عند الانتقال من مادة لاخرى بس مش تلعب ساعتين وتذاكر ساعة واوعى تقرب من البرامج التافهة


والشيطان يقولك { مش هتقدر تغمض عنيك .....وتحدى الملل}


4- بفكر غى حاجات كتييير وقت المذاكرة ... ضع ورقة بجوارك وكل ما تجيلم فكرة اكتبها فى الورقة وبعد ما تخلص مذاكرة فكر فيها براحتك .





أعتقـــد محــدش عنـــده عذر الآن  والكل لازم يذاكر



  تحيـــــــــــــــــــــتي
























16‏/12‏/2009

إسمك ورقم دخولك ... يا ترى فاكرهم وإلا نسيت







هـــــذا هــــو الإســــــم

وهـــــــــــذه كلمــــــة الـــدخـــــــــــول

فهــــل ننســــــــــــاهــــــــــــــــــــا ؟؟!!!


11‏/12‏/2009

البــؤســـــــــــــــاء

حينما نسمع مصطلح (البؤساء) يجول بخاطرنا الفقراء والمتشردين وقليلى الحيلة والضعفاء , الى ان اكتشفت ان العكس يحدث أحيانا . فاحترت بين الغنى والفقر والضعف والقوة . الى ان توصلت الى أن الغنى والقوة أفضل وأسمى بشرط ملازمة شرطين هما : العدل و الزهد

10‏/12‏/2009

أذهـلـتــــــني

لم تكن أبـــــــداً إهـــــــــــداء.......
لـم تكــــن أي شيء........
لكنهـــــــــــا أعجبتنــــــــي.........
لا.............
بـل أذهلتنـــي !!
لهـــــا وقــــعٌ كبيـــــرٌ وأثـــر........
لا أجـــد مــا أصف بــه ذلك الأثـــر..........
ولكـــــــــن.........
يكفيــــني أننــي أشعـــر بـــــه ........
هـل هـــو هذيـــان........ أم هـي فقط أضغـــاث أحـــلام ؟ !! بــأي حـــــــــــــــال........ أنـــــــــــــــــــــــا.......... ما زلــــت أعيش ذلك الأثـــر.........

تفـاهـــــــــــــــات

قلبٌ يئن وعين تدمع تــرى ما السبب وهل السبب يستحق فعلاً ؟؟ كل الأسباب أراها تافهة ولكن رغم هذا لا أستطيع تجاهلها أنساها !! نعم أنسى ولكني أنسى المواقف ويظل الحزن رفيقي يظل الهم طريقي وأعود فأقول تفاهااااااااااااااااااات تجاهليها هي تفاهات ولكن قلبي يقول لي هيهات أنسى الحزن هيهات

02‏/12‏/2009

عمي الغالي ,, ها قد عدت

عمي العزيز الغالي
عوداً حميداً يا مهجتي وفؤادي
يا من سهرت عيني في بعده وطال سهادي
عودا حميداً إلى بلدك وقلبي المشغوف العاني
إشتقت إلى بلدك ؟؟
لا والله بل إن ترابها هو من إشتاق إليك
شوارعها تحن إليك
أشجارها تحن إلى أن تظلك بظلها
وطيورها تشتاق إلى أن ترفرف حولك وتشدوا أناشيدها
عمي الحبيب يا من أنت لقلبي قريب
يا قرة عيني
كم طال غيابك ,, وتأثر ببعدك أحبابك
أشرقت نفوسنا بعودتك
وإبتهجت أسراريرنا لرؤيتك
حقاً
نحن لا شيء بدونك
حمداً لله على سلامتك
تحيـــــتي بنتك حبيبتك

30‏/11‏/2009

شرح الأصول العشرين (التضحية والطاعة)

29‏/11‏/2009

الشجــرة الطيـــبة

الشجرة الطيبة

قـلـبـــي يئـــن

قلبي يئن ,, روحي تنوح
تنذرف دموعي وكأنها الأنهار تسيل
عيني تبكي .. لا والله بل تقطر دماً
وقلبي يتطع إرباً إرباً
هل حقاً أشد الأوقات أن تضحك وفي عينك ألف دمعة
لا والله
بل أشدها وقعاً وأكثرها فتكا بالقلوب
هي عندنا تموت حزنا تُـغْـتَـال قهراً ولا تجد من يبكي عليك
تشعر بأنك تختنق تصرخ بأعلى صوت
لكنك تفاجيء
بأنه ليس هنالك من يجيب
ترى الأحباب من حولك .. لكنهم غفلوا عنك
كأنهم لا يرونك ,, لا يشعرون بوجودك
وكأنك بينهم كسراب
لا وجود لك
أو كطيف إن كان خيراً فيا هلا
وإن كان ألما ,, فتجاهله أفضل
تبكي فلا تجد من يمسح الدموع
وتصرخ فلا تجد من يواسي القلب الموجوع
وتختنق فلا تجد من يبكي وينوح
أين أنتم
ألا تروني...
إن غفلت أعينكم فهل تغفل قلوبكم عنــي ؟؟؟
طالما رادوني حلم غريب
كنت أحب دوما نسيانه
كنت أحلم في منامي أني وحيدة تائهة
أرى أشخاصا أعرفهم جيدا ويعرفونني
وأنا أتألم وأصرخ
إلا أنني أراهم وكأنهم لا يسمعون
كنت حين أستيقظ أستعيذ بالله وأقول لا ليست حقيقة .. انها نزغات من الشيطان
أما الآن
أصبحت أراها واقعاً يتجسد في كل مكان
.....
إلى كل من أحبهم
لن أستجدي حبكم
فإن لم تسمعوا صوتي
فهذه آآآهاتي

حتى تكـــون أسعــــد النـاس .. خـواطـــر للدكـتــور عـائــض القـرنـــي

27‏/11‏/2009

حتى خروف العيد بقى صيني

21‏/11‏/2009

أيها الحجاج

الحج ليس للحجاج فقط

الحج ليس للحجاج فقط أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم.. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونستهديه.. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد ألا إله إلا الله وحده ولا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. أما بعد.. فقد توقفت كثيرًا أمام حديث مشهور من أحاديث رسول صلى الله عليه وسلم, رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس: 1- شهادة أن لا إله الله, وأن محمداً رسول الله 2- وإقام الصلاة 3- وايتاء الزكاة 4- وصوم رمضان 5- وحج البيت.." ومع أن الحديث مشهور جدًا, ومتفق عليه, ويحفظه تقريبًا عامة المسلمين.. إلا أنه يحتاج إلى وقفة طويلة للتأمل، تعالوا بنا نفكر سويًّا...!! الإسلام بناء ضخم هائل، وصرح عظيم، فيه عدد كبير جدًا من التشريعات والقوانين والأحكام، وهو نظام حياة كامل، ودستور عظيم.. ينظم معاملة المسلم مع ربه ومع أسرته ومع جيرانه ومع أقاربه ومع أصحابه... بل مع أعدائه أيضًا!... تشريعات لا حصر لها!! يعجب الإنسان ويذهب بعقله بعيدًا مع هذا الكم الهائل من القوانين والأحكام في هذا الدين العظيم، وسبحان الله.. فقد اختار الله عز وجل من هذا البناء الضخم الكبير (الإسلام) خمسة أمور فقط جعلها أساسًا لكل هذا البناء، وكل شيء بعد هذه الأشياء الخمسة ينبني عليها، ولو أن ركنًا من هذه الأركان الخمسة - التي هي الأساس - سقط لسقط هذا البناء كله، وإلى هنا لا يوجد شيء يثير الدهشة أو الحيرة, لكن المحيّر حقًا هو أن يكون الحج أحد هذه الأعمدة التي ينبني عليها الإسلام... لماذا الحج بالذات؟!
الحج عبادة لا يكلَّف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر كله, وفي حال الاستطاعة.. ومعنى ذلك أن من لا يستطيع الحج فلن يُفْرَضَ عليه أداؤه.. وبالتالي فإن ملايين المسلمين على مرّ العصور لم ولن يحجوا لعدم الاستطاعة سواءٌ كان لعدم الاستطاعة ماليًا أو معنويًّا، وحتى من كُتب لهم الحج.. فالكثير الغالب منهم لم يحج إلا مرةً واحدة في عمره كله الذي قد يمتد ستين أو سبعين سنة! "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين", ومن ثَمَّ لا ينفق الإنسان خلال هذا العمر الطويل في هذه العبادة إلا أسبوعين أو ثلاثة.. أو حتى شهرًا أو اثنين.. كم يمثل ذلك من العمر كله؟! فضلاً عمَّا نسمع عنه الآن من أنواع الحج السريع، والحج الفاخر، والحج المريح... التي يستطيع الحاج فيها أن ينهي كل المناسك في أسبوع واحد، ويقيم في أرقى وأفخم الفنادق، ويكون أقرب إلى الحرم من أهل مكة نفسها... وهذا الوقت في عمر الإنسان بسيط جدًا جدًا، سواءً كان حجًا سريعًا أو بطيئًا، فلماذا - إذن - يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة في حياة المسلم ليجعلها أساسًا لهذا الدين وركنًا من أركان الإسلام، وعمودًا من أعمدته؟! مع أنه ليس مطلوبًا إلا مرة واحدة في العمر للمستطيع فقط، ومن لم يستطع فلن يؤديه أصلاً؟! في حين أنك لو نظرت إلى شهادة التوحيد تجد أنها أصل الإسلام, وعليها تُبنى سائر الشرائع.. وكذلك الصلاة "عماد الدين".. تؤدَّى خمس مرات يوميَّا.. والزكاة كل عام, وكذلك الصوم.. أما الحج فشأنه عجيب؛ فمع كونه ركنًا من أركان الإسلام كتلك العبادات السابقة.. إلا أنه لا يشغل من حياة الإنسان إلا وقتًا محدودًا جدًا.. وقد لا يؤديه العبد أصلاً إن فقد الاستطاعة!!
الأمر إذن – كما ذكرت - يحتاج إلى وقفة تدبر وتأمل؛ فلا بد أن هناك فوائد تتحقق في الحج تؤدي إلى تغيّر في حياة المسلم الذي أدّى هذه الفريضة, ولا بد أن الحج سيؤثر على حياة الإنسان بكاملها في الأرض؛ لأن هذه الزيارة العارضة لبيت الله الحرام ربما تكون سببًا في صلاح الفرد رجلاً كان أو امرأةً، ومن ثَمَّ يستطيع تطبيق بقية شرائع الإسلام، وبهذا يصلح الحج أن يكون ركنًا من الأركان التي ينبني عليها الإسلام... لكن!!
إذا كان هذا الكلام صحيحًا في حقِّ من حج من الرجال والنساء، فما بال أولئك الذين لم يستطيعوا الحج لأي عذر من الأعذار، وهم ليسوا قلة؟
لماذا جعل الله عز وجل الحج من أساسات الإسلام الرئيسية مع أن هناك طائفة كبيرة جدًا من المؤمنين لم يقوموا به مع كونهم مؤمنين وراغبين في الحج.. بل مشتاقين إليه؟!
من المؤكد - وبلا شك - أن هناك فائدة ما تعود على الأمة كلها، سواءً كانوا من الحجاج الذين يحجون كل عام، أو ممن حجّ مرةً واحدة، أو ممن لم يحج مطلقًا.. وقد لا يحج في حياته كلها... "ليشهدوا منافع لهم.."
الحج يفيد الأمة كلها، ومن ثَمَّ فإن الله تعالى جعله ركنًا أساسيًا ينبني عليه الإسلام. جلست أفكر ، ما هي مقاصد الشريعة في الحج؟ ما هي الغاية من الحج؟ ما هي الفوائد المتحققة والآثار الناتجة عن الحج؟؟
تعالوا بنا نبحث جيدًا لنعرف لماذا اختار الله الحج ليكون من أعمدة الإسلام، وجدت أن الله عز وجل يقول: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ, وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؛ فَكُلُوا مِنْهَا, وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ"..
في الحج إذن - كما قال الله عز وجل - "منافع"، وكلمة "منافع" كلمة شاملة عامة، لا أعتقد أنها يجب أن تُقصر على المنافع التجارية والمالية فقط، لأن بعض الدعاة والمفسرين يقصرون كلمة المنافع على التجارة، بمعنى أنك ذاهب للحج، ويمكن أن تساهم في إنعاش التجارة فتبيع وتشتري...
والحق أن قصر منافع الحج على التجارة فقط تحديد غير مقبول للنص ، وفيه تقليل من معنى هذه الكلمة العامة الشاملة، وخاصة في هذا الزمان الذي نعيش فيه، فرزق المسلمين هناك من البترول في يوم أو يومين يعادل تجارة الحج كلها، ويتأكد هذا المعنى إذا أخذنا في الاعتبار أن المنفعة الحقيقية التي تعود من التجارة في الحج إنما هي للصين واليابان لأنهما من قام بإنتاج أغلب سلع التجارة التي تروج أيام الحج.. وليس المسلمون!!.
لا بد - إذن - أن نفكر في منافع الحج الرئيسية... منافع الحج:
الحق أن أهم منفعة في الحج أنه يذكّر الأمة كلها - الحجاج وغير الحجاج - بيوم القيامة؛ فوجه الشبه كبير جدًا بين الحج ويوم القيامة؛ الحاج يمرّ بأكثر من موقف يذكره بيوم القيامة، ثم يعود فيحكي لكثير من الناس هذه المواقف، فيتذكر الناس جميعًا يوم القيامة، ولن نجد في الأمة كلها أحدًا لا يعرف اثنين أو ثلاثة أو أكثر ممن حج وحكى له عن المواقف التي مرّ بها في حجه...
وقد وضع الله محبة الحج في قلوب كل المسلمين؛ فتجد أن غالبية المسلمين لديهم الحرص الشديد على أن يحجوا، وعلى أن يودعوا الحجاج عند سفرهم ويستقبلوهم عند عودتهم، ويزوروهم، ويسمعوا منهم؛ ليبقى موسم الحج موسمًا لتذكير الأمة بهذه المنافع العظيمة.. وبيوم القيامة. وقبل أن نذكر ملامح التشابه بين الحج ويوم القيامة ينبغي أن نقول: إن معظم الفساد والمعاصي التي تحدث في الأرض إنما تحدث بسبب نسيان يوم القيامة.. يوم الحساب الذي يُحاسَب فيه كل إنسان على ما قدم في دنياه، منذ أولى لحظات التكليف إلى لحظة الموت، والله عز وجل يقول: "إن الذين يَضِلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد.." لماذا؟ قال الله تعالى: "..بما نسوا يوم الحساب"!
فنسيان يوم الحساب كارثة عظيمة، ومصيبة كبيرة، ولو تذكَر الناس هذا اليوم لوُجِد الحل لكل المشاكل التي تعاني منها البشرية، ولذا كان أول ما ذكّر به النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أن بدأ الدعوة في مكة، هو هذا اليوم.. قال: "والله لتموتُنّ كما تنامون، ولتبعثُنّ كما تستيقظون، ولتحاسبُنّ على ما تعملون، وإنها لجنّة أبدًا.. أو نار أبدًا" ذلك أن المرء إذا ظل متذكرًا ليوم القيامة لبقي في باله أن هنالك يومًا سوف يقدم فيه "كشف حساب" عن كل لحظة من لحظات عمره.. عن كل كلمة.. كل قرشٍ اكتسبه.. كل حركة، وكل سكَنة.. عن كل تعامل بينه وبين الناس.. وبينه وبين ربه سبحانه وتعالى..
فالحج صدمة كبرى تنبِّه الأمة كلها، توقظها من سباتها.. تذكِّرها بما كانت قد نسيته طويلاً.. وإذا تذكر المرء أنه محاسب، هل سيرتشي؟ هل سيظلم؟ هل سيسرق؟ هل سيعق والديه؟ هل سيتعدى على حقوق زوجته أو أولاده أو جيرانه .. أو حتى من لم يعرفهم؟؟ قطـعًا.. إن الإجـابة بالنفي، وهكذا ندرك أن صلاح الأرض في تذكر يوم الحساب ، فلنتذكر هذه الجملة جيدًا:
صلاح الأرض ـ كل الأرض ـ في تذكر يوم الحسـاب ) وَيـلٌ لِلْمُطَفِفِينَ * الذين َ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى الناسِ يَستَوفُون * وَإذَا كَالُوهُم أوْ وَزَنَوُهُم يُخْسِرُون * ألا يَظـُنُ أُولئكَ أنَهُم مَبْعُوثُون؟! * لِيَومٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النـاسُ لِربِ العَالَمِينَ( .. لو أدرك المطففون أنهم سيحاسَبون لما طففوا.. ويجب أن ننتبه إلى أن التطفيف ليس في التجـارة والميزان المادي فحسب، كلا.. إن التطفيف قد يكون في علاقتك بزوجتك؛ إذا كان لك حق أخذته بالكامل، أما إذا كان عليك حق تُـخسر في الميزان.. في علاقتك بأولادك.. بجيرانك.. بزملائك في العمل... حتى في علاقتنا بالله سبحانه وتعالى نطفف!! فإذا حدثت لنا مشكلة أسرعنا في اللجوء إلى الله ، نرجوه ، وندعوه، ونخشع في صلاتنا ، ونُكثر من الصيام والصدقة.. والخضوع لله.. ) هُو الذي يسيركم في البحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كل مكان ، وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين, فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق!! يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا، ثم إلينا مرجعكم.. ( هذا هو يوم الحساب الذي لو تذكره الناس لما تعاملوا مع المولى عز وجل بهذه الطريقة: ) ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون(.... الحج إذن تذكرة قوية وعلنية وواضحة وصريحة لكل المسلمين أننا سنرجع يومًا إلى الله... كيف يذكّرنا الحجّ بيوم الحساب؟
إننا نتذكّر يوم الحساب من أوّل خطوة نخطوها نحو الحج ... يحرص المسلم على جمع المال الذي يريد أن يؤدي به الحج من الحلال، ويدفع هذه المبالغ الكبيرة: عشرة آلاف أو خمسة عشر.. أو عشرين ألفًا! وأكثر من ذلك أحيانًا, ومع هذا كله يدفع المسلم هذه المبالغ وهو في غاية السعادة والسرور!! لماذا؟ لأنه سيؤدي فريضة الله سبحانه وتعالى.. ثم يسترضي كل من يعرفهم ، ويعتذر لمن أساء إليه، ويؤدي ما عليه من ديون، وكأنه بذلك يستعد تمامًا ليوم الحساب، يجمع أهله.. يوصيهم، وينصحهم، ويدلهم على ما يفعلونه أثناء غيابه... والناس يودعونه قبل سفره.. أفواج كبيرة تودع الحجاج.. تُذكره, وتذكر الناس جميعًا أن هناك يومًا سيخرج المرء فيه بلا عودة!! ) كل نفسٍ ذائقة الموت ( ولكن أحدًا لا يرجع بعد موته. حتى ملابس الحج بالنسبة للرجل تذكره.. وتذكر الناس جميعًا بيوم القيامة؛ ففوق ما فيها من شبه بالكفن, ترى أن بعض جسد الحاج يتعرى؛ ينكشف كتف الحاج لكي يتذكر الناس جميعًا العري التام يوم القيامة، وهذا يذكرنا بالصورة التي نكون عليها يوم الحساب...
روى البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.. يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟! فَقَالَ: الأمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ"
وفي الحج يعيش الناس في جوٍّ أشبه ما يكون بيوم القيامة، الكلُّ يشعر بهذا المعنى، والأمة كلها تعيش هذه المعاني مع الحجيج، الناس جميعًا يتركون الدنيا وراء ظهورهم، ولا ينشغلون بغير الذكر والدعاء والاستغفار والتضرع إلى الله عز وجل، والناس جميعًا واقفون في زحام شديد، وفي مكان واحد، وهكذا يُحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، وينادي عليهم المنادي: هلموا إلى ربكم - يا رب سلّم - هلموا إلى ربكم، فيقوم الناس جميعًا لربّ العالمين: "يومئذٍ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا".. كلّ الناس في الحج وقوف, وكل الناس يوم القيامة وقوف أيضًا: "وقِفُوهم.. إنهم مسئولون"، الناس في الحج في حرٍّ وعرق, وكذلك يوم القيامة يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، كما في الحديث الصحيح، في البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا, وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ"
فالأمر إذن - يا إخواني - ليس ساعة أو ساعتين، لا.. الأمر شاق وطويل...
وإذا كان الحج هو العبادة الوحيدة التي يفرّغ لها المسلم أيامًا متتالية، فكذلك يوم القيامة يوم طويل: "إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا" وكما جاء في بعض التفسيرات أن اليوم القمطرير هو اليوم الطويل، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "مائة سنة" أي أن يوم القيامة يساوي مائة سنة، وقال كعب: بل ثلاثمائة سنة، وقال غيرهم: خمسين ألف سنة!! والمؤكد أنه يوم طويل وعسير وصعب؛ فهو يحتاج إلى استعداد واهتمام كبيرين...
ومما يذكّر بيوم القيامة من مناسك الحج أيضًا السعي بين الصفا والمروة، ذهابًا وإيابًا، فيتذكر الناس السعي والحركة يوم القيامة: "يوم يخرجون من الأجداث سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون" ، يتذكر الناس عند سعيهم بين الصفا والمروة سعيَهُم يوم القيامة بين الأنبياء ليشفعوا لهم عند الله عز وجل؛ فيذهبون إلى آدم عليه السلام فيردهم إلى نوح عليه السلام، فيردهم إلى إبراهيم عليه السلام، فيردهم إلى موسى عليه السلام، فيردهم إلى عيسى عليه السلام، فيردهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم...
وزيارة الحجاج لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم تكن من مناسك الحج إلا أنها تذكرك بأن الله عز وجل سيجمعك يومًا ما مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، تسلّم عليه وعلى أصحابه... وتصلّي في الروضة الشريفة وهي من رياض الجنة، وتعيش هذا الجوّ الرائع الذي يخرجك من جوّ الدنيا تمامًّا ويجعلك تعيش في جوّ الآخرة... إن كل من يحج بيت الله الحرام يشعر بكل هذه المعاني.. بل ويقصّها على كل من يلقى من الأهل والأحباب، ومهما بلغ من الجهد والتعب وبذل الجهد والمال في هذه الرحلة العظيمة، إلا أن الجميع يتمنى لو عاد مرة أخرى للحج.. لو عاد مرة أخرى للبيت الحرام.. لو عاد مرة أخرى لعرفات... يتمنى لو عاد مرة أخرى لزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم... الأمة كلها تعيش هذه المعاني العظيمة التي تُذكر بيوم القيامة في كل عام مرة، لتتذكر يوم القيامة الذي ستعيشه بحقيقته بعد ذلك...
وإذا عاشت الأمة وتذكرت يوم القيامة بهذه الصورة العظيمة.. كيف سيكون حالها؟ وكيف سيكون وضعها بين الأمم؟
وبعد كل ما رأينا من العلاقة بين الحج ويوم القيامة نستطيع أن نفهم ونتدبر لماذا بدأ الله تعالى سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" ليس في القرآن شيءٌ عشوائيٌ على الإطلاق، فكل كلمة وكل حرف نزل بحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى: "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً"...
كنت أعجب كثيرًا عندما أقرأ سورة الحج وأتساءل: لماذا بدأ الله عز وجل سورة الحج بالتذكير بيوم القيامة بدلًا من التذكير بأهمية الحج؟! لكن بعد تدبر هذا المعنى العظيم
- وهو أن الله عز وجل جعل الحج تذكيرًا للناس بيوم القيامة - تلاشى هذا العجب... فليس الهدف من الحج - إذن - إرهاق الناس وتكليفهم فوق طاقتهم: "مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ" ولكن الهدف هو تحقيق المنفعة للناس في الدنيا والآخرة.
لو تذكرنا يوم القيامة ستصبح حياتنا كلها آمنة ومستقرة بل وحياة الأرض كلها، وأيضًا سوف يتحقق لنا الخير في الآخرة... ومنافع الحج من الكثرة بمكان، بحيث تحتاج إلى صفحات كثيرة، وليس المجال هنا بمتسع لذكرها، ولكننا نشير - بإيجاز - إلى بعض هذه المنافع لننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن دور غير الحجاج في موسم الحج. لقد ذكرنا المنفعة الأولى من منافع الحج وهي التذكير بيوم القيامة، ومن منافع الحج أيضًا:
ترسيخ فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين:
الحج مؤتمر إسلامي عالمي مهيب، يلتقي فيه المسلمون من كل أقطار الدنيا، فيُغرس في القلوب شعور الأمة الواحدة، وهذه ولا شك من أعظم منافع الحج، وخاصة في هذه الأزمان التي تمرّ فيها الأمة بحالة تفكك شديد، نسأل الله عز وجل أن يوحد صفوف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها...
المنفعة الثالثة من منافع الحج: هي أن المسلم بعد الحج يفتح صفحة جديدة تمامًا مع الله عز وجل: فالحاج يرجع من حجه كيوم ولدته أمه، مهما ارتكب من الذنوب والمعاصي والآثام قبل حجه، وهذا الأمر يعطي أملًا كبيرًا للكثير من عصاة المسلمين الذين أسرفوا على أنفسهم، إن كثيرًا من المسلمين لا يلتزمون بالإسلام لشدة إحباطهم وعِظَم يأسهم لكثرة ما اقترفوا من الذنوب والمعاصي، الحج - إذن - يفتح صفحة جديدة للمسلمين ولا شك أن هذا الأمر له انعكاس واضح على الأمة الإسلامية بأسرها؛ لأنك في كل عام تكتسب أفرادًا جددًا جاوزوا الإحباط, وأضيفوا إلى قوة وطاقة الأمة الإسلامية.
المنفعة الرابعة من منافع الحج: هي أن الحج يربي الحجاج بل ويربي الأمةَ كلها على اتباع أوامر الله عز وجل دون جدل أو اعتراض
إننا نرى المؤمن من خلال تفاعله مع مناسك الحج، لا يشترط معرفة الحكمة لكي يتبع منهج الله عز وجل، فالمؤمن لا يسأل: لماذا الطواف؟ ولم كان سبع مرات؟ لماذا أقبّل الحجر؟ لماذا الحلق؟ لماذا هذه الهيئة في اللباس؟ لماذا الرمي بتسع وأربعين أو بسبعين من الجمرات؟... تفاصيل كثيرة قد لا تجد إجابة عن معظمها، لكن المؤمن دائمًا يردد:
"سمعنا وأطعنا"، إنها التربية على السمع والطاعة لله سبحانه وتعالى دون أدنى شكٍ أو تردد... ومن المفترض أن تتعلم الأمة كلها من كل موسم حجٍ أن تقول لربها: "سمعنا وأطعنا" لكل أمر من أوامرك يا ربنا، فعندما يسمع المؤمن بعد الحج أن الربا حرام سيقول: سمعًا وطاعةً يا رب، وعندما يسمع أن الرشوة حرام سيقول: سمعًا وطاعةً يا رب، وعندما يسمع أن الغيبة حرام سيقول: سمعًا وطاعةً يا رب، وعندما يؤمر بعدم موالاة الكفار سيقول: سمعًا وطاعةً يا رب... وهكذا مع سائر أوامر الإسلام، إن هذا الأمر لو غُرس في قلوب المسلمين لكان فيه النجاة لهم في الدنيا والآخرة.
المنفعة الخامسة من منافع الحج: هي المساواة بين طوائف المسلمين المختلفة. وهذا المعنى في منتهى الروعة "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فالكل سواسية كأسنان المشط، الغني بجوار الفقير، الحاكم بجوار المحكوم، الكبير بجوار الصغير، المصري بجوار الباكستاني بجوار النيجيري بجوار الشيشاني بجوار الفلسطيني... لا قبلية ولا عنصرية.. بل ولا فارق في الهيئة الخارجية، ولا فارق في المناسك.. لا فارق في المكان ولا في الزمان، وهذا المعنى من أهمّ المعاني البنائية لأمة الإسلام.
المنفعة السادسة من منافع الحج: هي التذكير بالحرب الدائمة والمستمرّة مع الشيطان. فعلى الحاج عند رمي الجمرات أن يتذكر هذا المعنى، إن الحرب مع الشيطان قديمة قدم البشر، وباقية ما بقيت الدنيا: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً"، وفي هذا تذكير للمؤمنين بعدوهم القديم، العدو الأكبر الذي يعدّ لهم كل يوم ألفَ عُدّة، ويغفل الكثير من المسلمين عن هذا العدوّ اللدود المتربص، فيأتي الحج ليوقظ النائمين، وينبه الغافلين، ويذّكر الناس أجمعين، وذلك عندما يرى الناس هذه الحشود الهائلة وهي ترجم الشيطان، ونسأل الله عز وجلّ أن ينصرنا عليه في كل الميادين...
المنفعة السابعة: ترسيخ معاني التضحية بكل أنواعها الحج يرسخ في قلوب الحجاج التضحية بالمال؛ فمن ينو الحج يجمع الأموال الكثيرة وربما تكبد في ذلك المشاق والصعوبات ليؤدي فريضة الله عزّ وجلّ، ويربي الحج أيضًا في الناس معنى التضحية بالوقت الطويل، والجهد الكبير.. والتضحية بمتع الحياة المختلفة.. ومعلوم أنه لا أحد يستطيع أن ينصر هذه الأمة إلا إذا تربى على هذا المبدأ العظيم؛ مبدأ التضحية بكل شيء في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، والحج بهذا المعنى مدرسة من أعظم المدارس التي يتعلم فيها المسلم ويمارس مبدأ التضحية ممارسةً عملية...
المنفعة الثامنة: أن يتعلم الناس من خلال الحج خلق التقشف: ففي الحج تدريب عملي على البعد عن ترف الدنيا ونعيمها، من ملبس ومأكل وغير ذلك من الأشياء، ومن ثَمَّ فهؤلاء الذين يسرفون في النفقات وما يسمّى بالحج الفاخر، والمبالغ الباهظة التي تُنفق دون الحاجة إليها.. هؤلاء لم يفقهوا هذا الدرس جيدًا، ولم يدركوا هذه المنفعة العظيمة من منافع الحج، إن الأمة التي تتربى على الترف والميوعة لا يُكتب لها النصر على الإطلاق...
المنفعة التاسعة من منافع الحج: أنه يعلمنا لين الجانب، وهدوء النفس، وترك الجدال. الله عزّ وجل يقول: "فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ"، فلو أن الأمة تربَّت على أن تكظم غيظها، وتصلح ذات بينها، وتتجنب الجدال، فإن هذا - ولا شك - سيؤدي بها إلى نصر الله وتمكينه...
المنفعة العاشرة والأخيرة وليست الآخرة - لأنه من المستحيل على أي إنسان أن يحيط علمًا بحكمة الله عز وجل - هي التجارة ( البيع والشراء). لا بأس في الحج أن يبيع الإنسان ويشتري، يفيد ويستفيد، والله عزّ وجلّ يقول: "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ"، وإن كان على الحاج ألا ينفق وقته الثمين الغالي في التجارة؛ ذلك لأن وقت الحاج في منتهى الأهمية، وليس من الحكمة أن تضيع الأوقات الثمينة الغالية في أشياءَ يمكن عملها في أي مكان آخر، وفي أي وقت آخر... كانت هذه هي المنفعة العاشرة.. فتلك عشر كاملة.. نسأل الله أن ينفعنا بها وينفع الأمة جميعًا. ومنافع لغير الحجاج..! نعود مرّة أخرى لما كنا نتحدث فيه بدايةً، وهو أن الله عزّ وجل اختار الحج كركن أساسي من أركان الإسلام، ينبني عليه الإسلام، لأجل هذه المنافع التي ذكرناها، ومنافع أخرى كثيرة يستطيع الإنسان أن يستخرجها كلما تدبّر في معاني وآيات الحج، وكلّما نظر في آيات الله وأحكامه، ذلك لأن الإسلام شرع محكم من لدن حكيم خبير...
ولعلنا الآن وقفنا على الحكمة التي لأجلها اختار الله عزّ وجل الحج ليكون ركنًا من أركان هذا الدين العظيم، لأنه لو تحقق كما ينبغي لأقيمت كل شرائع الإسلام كما ينبغي، وهذا والله خير الدنيا والآخرة.
وإذا كان الحجاج يعيشون كل هذه المعاني، وينقلونها إلى بقية الأمة، فإن الله عزّ وجل أراد لمن لم يُكتب له الحج أن يعيش هذه المعاني التي يعيشها الحاج، وليس هذا عن طريق السماع فحسب، بل شرع الله عزّ وجلّ لنا وسائل تجعلنا نعيش نفس مشاعر الحجاج، وفي نفس الوقت الذي يؤدون فيه مناسكهم...
فقد شرع الله عز وجل لنا أعمال خير وبر وطاعة وعبادة، خاصة في أيام الحج، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول فيه:"مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ" يقصد الأيام العشر الأولى من ذي الحجة "فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟" ويتضح من سؤال الصحابة هذا أن الجهاد عندهم - رضي الله عنهم جميعًا - كان أعلى شيء ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".
فهذه الأيام العشر فرصة لكل المؤمنين في الأرض، فرصة لمن لم يُوفقوا للحج؛ ففي نفس الوقت الذي يكون فيه الحاج في مكة يؤدي المناسك، تكون أنت في بلدك بعيدًا عن مكة بمئات أو آلاف الأميال، ومع هذا تحصّل من الأجر الكثير والكثير، لدرجة تعلو فيها على المجاهد إلا أن تبذل النفس بكاملها والمال بكامله في سبيل الله، فهذه أعظم عشرة أيام في العام كله، وهذه الأيام ليست للحجاج فقط، بل إنها لعموم الأمة، حتى يعيش المسلمون مع إخوانهم الحجاج الجوّ الإيماني الذي يعيشونه.
لا بد إذن من استغلال هذه الأيام العشر بصورة جيدة، ولتستشعر أنك في الحج، تؤدي مناسكه، وتتحمل متاعبه ومشقّاته، وينبغي ألا يضيع منك أي وقت مهما كان بسيطًا، ولتجعل كل لحظة من لحظات حياتك مشغولة بحسنات، وينبغي أيضًا أن تحاسب نفسك كلََّ يوم، وتذكرها دائمًا بيوم الحساب... وهذه بعض العبادات التي ينبغي الاهتمام بها جيدًا خلال العشر الأوائل من ذي الحجة:
1 - صوم التسع الأوائل من ذي الحجة: نحاول صوم الأيام التسعة الأولى من شهر ذي الحجة، وكما نعرف أن اليوم العاشر يحرم صيامه لأنه يوم العيد، وإن فاتك من هذه الأيام شيء فلا يفوتنك صيام يوم عرفة، وصيامه من الأهمية بمكان، فهو يكفر ذنوب سنتين كاملتين؛ سنة ماضية وسنة مستقبلة، كما روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه وأرضاه"أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ كَفَّارَةَ سَنَتَيْنِ: مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ..."
إن من أعظم درجات الحج أن الله عزّ وجلّ يغفر ذنوب الحجاج جميعًّا، وأكثر ما يعتق من الرقاب يوم عرفة، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ"... فالحاج يكفر الله عزّ وجلّ عنه ذنوبه يوم عرفه، وغير الحجاج من الصائمين الطائعين يكفر الله عزّ وجلّ ذنوبهم وهم في بلادهم على بعد مئات أو آلاف الأميال من مكة، وهذا من نعمة الله عزّ وجل على المسلمين جميعًا، فينبغي ألا نغفل عن صيام هذه الأيام العظيمة المباركة، وخاصة يوم عرفة.
2 - ومن العبادات التي ينبغي علينا أيضًا أن نزيد الاهتمام بها: صلاة الجماعة بالنسبة للرجال في المسجد، والصلاة على أول وقتها بالنسبة للنساء، ومن الواضح أن هذا الأمر يلازم المسلم طوال العام، غير أن الشيطان قد يتغلب على الإنسان أحيانًا فيشغله، ويحرمه من الأجر الكبير الذي يستطيع الحصول عليه بصلاة الجماعة، وبالصلاة على أول وقتها، ومن رحمة الله تعالى بالمؤمنين أن جعل لهم مواسمَ يشتاقون فيها للعبادة، ويرتقون درجاتٍ عالية يصعب عليهم أن يبلغوها في غير هذه الأوقات، مثل شهر رمضان وعشر ذي الحجة...، ليس فقط لتحصيل أكبر قدر من الأجر والثواب، لكن للتدريب والتدرج على الارتقاء لهذا المستوى العالي من العبادة طوال العام ، بل طوال العمر كله.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الشأن، المحافظة على صلاة الفجر، فهي من أهم الصلوات التي يجب أن يحافظ عليها المؤمن الصادق والمؤمنة الصادقة، و هذه الأيام العشر فرصة للتدريب على المحافظة على هذه الفريضة الغالية، التي يتعاظم أجر الحفاظ عليها جدًا، فسنة الفجر خير من الدنيا وما فيها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بصلاة الفرض... ولننظر ولنتدبر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ", ولنستشعر هذه المعاني العظيمة التي يحتويها هذا الحديث، ألسنا نحسد الحجاج على وعد الله لهم بالجنة؟! فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ" ، هذا رائع، لكن لديك فرصة وأنت في بلدك، فلا داعي لأن يتعلّل أحد بأنه لا يستطيع أن يذهب إلى الحج ليحصل على هذا الثواب الضخم والأجر الكبير؛ ليحصل على الجنة، فكل ذهاب إلى المسجد.. وكل إياب منه يُعَدُّ لك نزلك في الجنة...
3 - الإكثار من صلاة النافلة: مما لا شك فيه أن لدى الحجاج فرصة كبيرة لتحصيل الأجر العظيم، وذلك بصلاتهم في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي أيضًا، لكن الله تعالى لم يحرمك وأنت في بلدك بل وأنت في بيتك من فرصة تحصيل الكم الهائل من الحسنات وذلك بصلاة النافلة... أنا أريدك أن تشعر في هذه العشر من ذي الحجة وكأنك في الحج، ألا ترى الحاج وهو في مكة لا يضيع لحظة واحدة لأن كل صلاة في الحرم المكّي تُحسب له بمائة ألف صلاة؟؟.. فكذلك أنت ينبغي ألا يضيع منك أي وقت على الإطلاق خاصة في هذه الأيام، وستجد من الحسنات الكثير والكثير... ومن النوافل المهمة التي ينبغي عدم التفريط فيها في هذه العشر نافلة قيام الليل، ولقيام الليل في هذه الليالي المباركة وضع خاص وأجر خاص، وقد أشار كثير من المفسرين أن الله تعالى عندما أقسم قائلا: "والفجر . وليلٍ عشر".. إنما عنى سبحانه وتعالى هذه الليالي العشر من أول ذي الحجة، فإذا جنّ عليك الليل فقف بين يدي الله تعالى واسأله ما تريد من الحاجات، وتدبر حديث النبي صلى الله عليه وسلم - والحديث في البخاري ومسلم - الذي يقول فيه: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ.. يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟"، ماذا يريد الإنسان أكثر من ذلك؟! الله سبحانه وتعالى هو الذي يتودد إليك ويريدك أن تسأله حاجتك، أليس لديك ما تريد أن يقضيه الله لك، ألا تريد من ربك أن يشفي لك مريضًا، أو ييسر لك امتحانًا، أو يرد عنك ظالمًا، أو يرفع عنك بلاءً نزل بك، أو يردَّ إليك حقًا سُلب منك؟!.. ألست تريد شيئًا من ربك، ألا تريد مالًا؟ ألا تريد زوجةً؟ ألا تريد أولادًا؟ ألا تريد صحةً؟؟.. الله عز وجل هو الذي يريد قضاء حاجتك، ما عليك إلا أن تسأل!! ثم.. أليس عندك ذنبٌ تريد من الله أن يغفره لك؟! ومن منا لم يقترف ذنبًا، فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، ألسنا نحسد الحجاج لمغفرة الله عز وجل لهم جميع ذنوبهم؟.. إننا في الواقع نمتلك هذه الفرصة كل ليلة، فالله عز وجل يسأل: "مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟؟!" فما عليك إلا أن تستيقظ لتسأل ربك وتستغفره دون أن تدفع المال الكثير، وتتكبد الجهد الكبير في ذهابك للحج، وليس معنى هذا أن يتكاسل الناس عن الحج؛ فالحج عبادة من أعظم العبادات في الإسلام، لكني أقول لعموم المسلمين الذين لم يتيسر لهم فرصة الحج لأي ظرف من الظروف: إن الله عز وجل أعطاكم بدائل للحج وفي نفس وقت الحج، وعليها من الأجر ما قد يصل إلى مثل أجر الحج بل ربما زاد عليه إذا كانت النية خالصة والاشتياق للمغفرة وللعمل الصالح حقيقيًا، وانظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ"!! وسبحان الله.. قوم جلوس بالمدينة ويأخذون مثل أجر المجاهدين، تعجب الصحابة رضي الله عنهم من هذا الأمر فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟!! قَالَ: "وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ.. حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ" ، فإذا كنت في شوق حقيقي للمغفرة فلا تَضِع منك هذه الفرصة، وليس قيام الليل فحسب، بل كن حريصًا قدر ما تستطيع على النوافل كلها، ومنها السنن القبلية والبعدية للصلوات، واقرأ هذا الحديث الرائع - وهو عند الدارمي - وترويه أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رضي الله عنها فقد سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ الْفَرِيضَةِ إِلَّا بني لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ" قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ، فهذا بيت في الجنة باثنتي عشرة ركعة فقط، وقد فُسِّرَت هذه الركعات في حديث الترمذي عن عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ" صححه الألباني، فهذه اثنتا عشرة ركعة، فكم يكون لك من البيوت في الجنة إذا لم تفرط في هذه الركعات، وقارن هذا الأمر بما يعيشه الناس اليوم في أزمات شديدة سببها عدم توافر السكن، فلو أن أحد الملوك طلب منك أن تفرّغ له كلَّ يوم نصف ساعة فقط على أن يعطي لك في مقابل ذلك شقة متسعة على النيل - مثلًا -، فهل ستفرّغ له نصف ساعة أم ستتكاسل عن ذلك؟!، ربما أجاب البعض: بل عشر ساعات، وربما أجاب آخرون: أفرّغ له وقتي كله!!... الله عزّ وجل يعطيك كل يوم مقابل أداء هذه النوافل بيتًا ليس على النيل.. بل في الجنة، إن الأمر يحتاج منك إلى يقينٍ في وعد الله عزّ وجل فإذا توفر اليقين فلن يكون هناك أي تفريط في هذا الثواب العظيم والأجر الجزيل. وغير هذه النوافل هناك الكثير الذي يمكن عمله من الخير، لتصبح متعودًا على الحفاظ على النوافل ليس في هذه العشر فحسب بل في حياتك كلها، كن دائم المحافظة على صلاة الضحا، وعلى سنة الوضوء، وعلى صلاة الحاجة، وعلى صلاة الاستخارة، وصلاة التوبة، وأكثر من الصلاة تطوعًا، تعويضًا لما فاتك من الصلاة قبل ذلك، اجعل هذه الأيام هجرة كاملة إلى الله تعالى.
4 - من العبادات التي ينبغي الاهتمام بها في هذه العشر أيضًا: الذكر إن ذكر الله عزّ وجل في هذه الأيام له أجر عظيم، كما أن له مكانة خاصة جدًا، فالله عزّ وجلّ يقول: "وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ" في هذه الأيام، وقال ابن عباس في قول الله تعالى "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" قال: هي أيام العشر، فالذكر إذن أمر مباشر من الله عز وجل، الذكر بكل أنواعه، في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ"، فهؤلاء يا إخواني هم الذين سبقوا، ولا بأس بأي نوع من أنواع الذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم... ويوجد أنواع من الذكر يستحسن أن يكثر الإنسان منها في هذه الأيام العشر، منها التكبير والتهليل والتحميد، فقد روى الإمام أحمد بسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" ، وللتكبير بالذات قيمةٌ عالية جدًا في هذه الأيام، وعند البخاري: كان ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. ومن الأذكار المهمة للغاية أيضًا في هذه الأيام أيضًا، الاستغفار، فالجوّ في موسم الحج بصفة عامة - سواءً لمن كتب الله تعالى له الحج، أو لهؤلاء المجتهدين في العبادة - جوّ مغفرة ورحمة وتوبة وعودة إلى الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ.. إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ.. وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ"، فهذه فرصة عظيمة أن نستغفر الله عز وجل في هذه الأيام، والاستغفار يا إخواني سهل ميسور، ومن صيغه المشهورة: أستغفر الله، فلو شغلت نفسك بالاستغفار ستحصّل أجرًا كبيرًا، فالمهم إذن هو كثرة الذكر والاستغفار؛ لأن الله عز وجل عندما أمر بالذكر قرنه بالكثره، قال تعالى:واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون" ، وقال عز وجل "والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا"
5 - من العبادات التي ينبغي الاهتمام بها أيضًا: الدعاء وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم من قيمة الدعاء كما جاء في سنن أبي داود والترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال "الدعاء هو العبادة"، وإذا كان لدى الحجاج كثير من الفرص لإجابة الدعاء، مثل الدعاء في الطواف، وعند السعي بين الصفا والمروة، وعند رمي الجمرات وبعدها، وعندما يشربون من ماء زمزم، وعندما يقفون بعرفة... فإن الله عز وجل لم يحرم عموم الأمة من فرص إجابة الدعاء في غير مكة، وقد ذكرنا منها قريبًا الدعاء في الثلث الأخير من الليل، انظر كيف تكون قريبًا من الله في هذا الوقت، وتكون أقرب من هذا أيضًا عند السجود، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ"، ولا بأس أن تدعوا الله عز وجل في أي وقت، وخاصة هذه الأوقات العظيمة الشريفة التي هي أقرب لإجابة الدعاء من غيرها من الأوقات...
6 - أيضًا من هذه العبادات التي ينبغي ألا نفرّط فيها خاصة في هذه العشر: قراءة القرآن. وقراءة القرآن من النعم العظيمة والكبيرة التي هي أفضل بكثير مما يتمناه كثير من الناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ (الم) حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ"، فينبغي- إذن - أن يختم الإنسان القرآن مرة في التسع الأوائل من ذي الحجة، ربما كان ذلك صعبًا، لكنه ليس مستحيلًا، فالحاج كما نعرف يفرّغ أسبوعين كاملين أو ثلاثة وربما أكثر لتأدية فريضة الحج، وما نريده هو أن تفرغ ساعتين كل يوم للقرآن الكريم لا أسبوعين، ساعتين فقط في كل يوم من هذه الأيام العظيمة، وستحصل - إن شاء الله - على كمٍّ هائل من الحسنات، وكما نعرف فالحرف بعشر حسنات وربما عشرين أو ثلاثين، فالله عز وجل كريم معطاء جواد ، وهو عز وجل يضاعف لمن يشاء... وإذا نظرنا وجدنا أن عدد حروف القرآن الكريم تصل إلى ما يزيد على (330) ألف حرف!! وبالضرب في عشرة، سيتحصّل لك ما يزيد على ثلاثة ملايين حسنة، أليس هذا أجرًا كبيرًا مقارنة بما يحصّله الحاج والمعتمر؟ غير أن أي مسلم يستطيع أن يحصّل هذا الأجر وهذا الكمّ الهائل من الحسنات وهو في بلده، بل وهو في بيته، نسأل الله عز وجل القبول لنا أجمعين.
7 - الوحدة بين المسلمين: إذا كان الحجاج يذهبون إلى مكة، و يتم التعارف بينهم، وهم من كل أرجاء الدنيا، فإن لديك الفرصة أن تقوّي أواصر المودة والوحدة بين المسلمين في بلدك، إن من أهداف الحج الرئيسية إيجاد الشعور بإحساس الأمة الواحدة بين المسلمين، ومن الصعب أن يوجد هذا الإحساس والمسلمون متفرقون، من الصعب أن يوجد والخلافات مستديمة والشقاق مستمرٌ بين أبناء القطر الواحد فضلًا عن جميع الأقطار، وبين أبناء المدينة الواحدة، بل بين أبناء المسجد الواحد، وأحيانًا بين أبناء البيت الواحد، فلنجعل هذه الأيام فرصة لكي نوجِد الوحدة بين المسلمين قدر ما نستطيع، وهذه
بعض العناصر المهمة التي تزيد من أواصر الوحدة بين المسلمين:
أولًا: برّ الوالدين
فالوالدان مهما كان بينك وبينهما من اختلاف في الرأي أو في وجهات النظر، فإنهما يُقدَّمان على كل شيء، وعلى أي شيء، إلا أن يأمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فينبغي إذن في هذه الأيام العظيمة أن تزيد من وسائل البر بالوالدين من زيارة واتصال وقضاء لحوائجهما وإدخال السرور عليهما، قدر ما تستطيع، وأنت إنما كنتَ تريد الحج ليدخلك الله الجنة، وتستطيع أن تدخلها ببرِّكَ لوالديك، وانظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "رَغِمَ أَنْفُ.. ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ.. ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ.." قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"، وفي رواية "فلم يُدخلاه الجنة" أي الأب والأم.
ثانيًا: صلة الرحم
إذا كنت تبحث عن رضا الله عز وجل، فاسمع إلى كلام الله تعالى للرحم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ.. فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟؟ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَلِكِ لَكِ.. ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ"، فأنت بصلتك لرحمك تكون أهلًا لأن يصلك الله عز وجل، فأي منّة هذه، وأي فضل، وأي كرم، وأي جود أن تكون أهلًا أن يصلك الله عز وجل، ولو أنك تريد الرضا من الله تعالى وقاطعك أهلك جميعًا بكل الطرق، ستضحّى بلا شك في سبيل إرضاء ربك وستبذل قصارى جهدك أن تصلهم، وتذكر دائمًا حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا"، هذا هو الواصل فعلًا الذي يصله الله تعالى.
ثالثًا: توثيق العلاقة بالأصحاب والجيران والمعارف
وهي فرصة طيبة في هذه الأيام المباركة، أن تزيد المحبة والألفة بين أفراد المجتمع المسلم، ولتوثيق العلاقات بين المسلمين من الأجر الكثير والكثير، ففي الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا"، فهذا بيت في الجنة يكتبه الله لك لزيارتك لأخيك أو جارك زيارةً خالصة لوجه الله من غير مصلحة دنيوية ومن غير أن تتعاطى أجرًا إلا من الله عزّ وجل.
رابعًا: مما يقوّي أواصر الوحدة بين المسلمين أيضًا إصلاح ذات البين
وهذا الأمر من الأهمية بمكان، لينظر الإنسان في علاقاته، وفي من حوله من معارفه وأقاربه، وجيرانه، ربما تكون هناك مشكلة ما بينك وبين غيرك من الناس، وهذه فرصة عظيمة، احرص على أن لا تمرّ هذه الفرصة إلا وأنت على علاقة طيبة بكل من حولك من الناس، اغفر لمن أساء إليك، وافتح صدرك للناس، وابتسم في وجوههم، إن استمرار الشقاق والخلاف بين المسلمين أمر بالغ الخطورة، ينبغي أن ينتهي سريعًا، وتذكر أن الله عز وجل يغفر الذنوب للمتصالحين ويؤجل المغفرة لمن بينهم شقاق، في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". فينبغي علينا في هذه الأيام المباركة خاصة أن نعمق أواصر الوحدة والألفة والمحبة بين المسلمين وذلك ببرّ الوالدين،
وصلة الأرحام، والتزاور في الله، وإصلاح ذات البين.
8 - ومما ينبغي فعله أيضًا من الطاعات في هذه العشر الإكثار من الصدقات الله عز وجل يقول: "وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ" ففي هذه الأيام السعيدة، علينا أن نُدخل السرور والبهجة والفرح على الفقراء والمحتاجين من المسلمين، ولا شك أن الإكثار من النفقة يؤدي هذا الهدف العظيم، كما أن الأجر مضاعف في هذه الأيام أكثر من غيرها. وإذا كان الحاج ينفق مبالغَ كبيرة ليؤدي هذه الفريضة العظيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال عن الإنفاق في الحج كما في مسند الإمام أحمد: "النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ" ، فإن لديك فرصة عظيمة في التنافس مع الحاج في مجال الإنفاق، ولا بأس أن تنفق ما تستطيع، الدرهم في سبيل الله بسبعمائة، والألف بسبعمائة ألف، "واتقوا النار ولو بشق تمرة"
9 - أن نعيش حياة التقشف: تعالوا بنا في هذه الأيام نعيش حياة التقشف، نعيش حياة الحجاج السهلة البسيطة، من دون أدنى تكلفة، ليس مهمًا ماذا آكل، أو ماذا أشرب، أو ماذا ألبس، المهم أن نكتسب في كل لحظة من لحظات حياتنا الحسنات الكثيرة، والأجر الجزيل من الله تعالى.
والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك يريدنا أن نعيش الجوّ الذي يعيشه الحاج، ففي صحيح مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا" وفي رواية أخرى لمسلمٍ أيضًا "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ"، تمامًا مثل المحرم حتى في هيئته، لا يحلق شعرًا، ولا يقلّم ظفرًا، ولا يضع طيبًا، هكذا طوال هذه الفترة إلى أن يضحي، يتأكد لنا - وسبحان الله - أن الحج ليس للحجاج فقط، كانت هذه هي النقطة التاسعة من النقاط التي ينبغي الاهتمام بها في هذه الأيام المباركة.
10 -ذبح الأضحية وذبح الأضحية من أعظم القربات إلى الله عز وجل، ويجعلك تعيش مشاعر الحج والهدي، وأذكر لكم حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل الأضحية. الحديث الأول: رواه ابن ماجة بسنده عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا" ، وقف مع نفسك في هذا الحديث وقفةً لترى مدى الخير العظيم والثواب الجزيل، والحسنات الكثيرة التي تُسجل لك في يوم العيد... الحديث الثاني: رواه ابن ماجة أيضًا بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِي قَالَ "سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ" قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ "بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ"، وتدبر هذا الحديث جيدًا لتعرف مدى الأجر العظيم الذي يعود عليك من ذبحك للأضحية يوم العيد، هذا إذا كنت قادرًا على التضحية... فتلك عشرة كاملة حاول من خلال جدول منسق أن تطبقها جميعًا، ولا تقلّ عن الدرجة النهائية فهي عشرة في عشرة، وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا.
وهذه هي العشر واجبات مجتمعة وموجزة: 1 - صوم التسعة أيام الأولى من ذي الحجة وخاصة يوم عرفة. 2 - صلاة الجماعة في المسجد للرجال وخاصة صلاة الفجر، وعلى أول وقتها للنساء. 3 - الإكثار من صلاة النافلة قدر المستطاع؛ قيام الليل، السنن القبلية والبعدية، صلاة الضحى... 4 - الذكر بأنواعه كلها، وخاصة التكبير والتهليل والتحميد ولاستغفار. 5 - الدعاء بخير الدنيا والآخرة. 6 - قراءة القرآن ومحاولة ختمه في التسع الأوائل من ذي الحجة. 7 - تعميق أواصر الوحدة والألفة والمحبة بين المسلمين وذلك ببرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والتزاور في الله، وإصلاح ذات البين. 8 - التصدق والإنفاق في سبيل الله، على الفقراء والمساكين، ولا تنس إخوانك في فلسطين والعراق... 9 - التقشف، وعدم الأخذ من الشعر أو الأظافر إن كنت ستضحي يوم العيد. 10 - الذبح حال الاستطاعة، ولك بكل شعرة من الأضحية حسنة.
وأعتقد بهذا أنك تستطيع أن تجد بديلًا لأعمال الخير التي يمارسها الحجاج إن لم يكتب الله لك حجًا، وهذه الأمور - يا إخواني - لم أقترحها، وإنما علمنا إياها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك ليثبت لنا أن الحج ليس للحجاج فقط، بل ينعكس أثره على الأمة الإسلامية بكاملها...
وكلمة أخيرة إلى المخلصين من أبناء هذه الأمة والذين لم يكتب لهم حج بعد، لا تحزن فقد جعل الله عز وجل لك عوضًا من ذلك، لا تحزن إن لم تكن مستطيعًا، فالله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، لا تحزن فقد يكتب الله عز وجل لك أجر الحجاج وأكثر بنيتك الصادقة، وشوقك الحقيقي، ولهفتك غير المصطنعة، وإلى أن يكتب الله عز وجل لك حجًا، لا تضيع وقتًا، فقد فتح الله عز وجل لك أبواب الخير على مصاريعها، من صيام وصلاة وذكر ودعاء وقرآن وصدقة... أعمال الخير لا تنتهي، وأبواب الجنة لا تغلق في وجه طالبيها أبدًا... وبعد.. ليُقِم كلٌّ منا جبلًا لعرفات في قلبه، ويدعو الله عز وجل بما شاء وقت ما شاء، ليرجمَ كلٌّ منا الشيطان في كلِّ لحظةٍ من لحظات حياته، ليتخفف كلٌّ منا من دنياه، فما بقي من الدنيا أقل بكثير مما ذهب، ليصلح كلٌّ منا ذات بينه، وليغفر لإخوانه، وليحب الخير لكلِّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها... نسأل الله عز وجل حجًا مبرورًا لكل من كُتب له الحج، وعملًا صالحًا موفقًا متقبلًا لمن لم يوفق للحج، ونسأله سبحانه وتعالى العزة والتمكين والرفعة لهذا الدين كما نسأله الجنة لنا ولكم ولسائر المسلمين...آمين.. آمين. وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
"فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ"