21‏/11‏/2009

الحج والعلاقات الأسرية

الحج والعلاقات الأسرية اعتنى الإسلام في كل عباداته وشعائره بالأسرة المسلمة كنواة للمجتمع المسلم الذي سيقوم بدوره بعد ذلك في نشر الإسلام والدعوة إليه . وبداية وقبل الكلام عن الحج أقول أن الأسرة في الإسلام قاعدة وأساس عليها يبني المجتمع كله وبافتقادها ينحل عقد المجتمع بل البشرية بأسرها لأنها النواة الأولي وبحسب نشأتها والاهتمام بها تكون صورة المجتمع من حيث الصلاح والفساد .
يقول الشهيد سيد قطب حول قول الله عز وجل : اللّهَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) الحياة البشرية هي الأسرة ، فقد شاء الله أن تبدأ هذه النبتة في (إِنَّ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)1النساء
(كذلك توحي الآية بأن قاعدة الأرض بأسرة واحدة . فخلق ابتداء نفساً واحدة ، وخلق منها زوجها . فكانت أسرة من زوجين . { وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } . . ولو شاء الله لخلق - في أول النشأة - رجالاً كثيراً ونساء ، وزوجهم ، فكانوا أسراً شتى من أول الطريق . لا رحم بينها من مبدأ الأمر . ولا رابطة تربطها إلا صدورها عن إرادة الخالق الواحد . وهي الوشيجة الأولى . ولكنه - سبحانه - شاء لأمر يعلمه ولحكمة يقصدها ، أن يضاعف الوشائج . فيبدأ بها من وشيجة الربوبية - وهي أصل وأول الوشائج - ثم يثني بوشيجة الرحم ، فتقوم الأسرة الأولى من ذكر وأنثى -هما من نفس واحدة وطبيعة واحدة وفطرة واحدة - ومن هذه الأسرة الأولى يبث رجالاً كثيراً ونساء ، كلهم يرجعون ابتداء إلى وشيجة الربوبية ، ثم يرجعون بعدها إلى وشيجة الأسرة . التي يقوم عليها نظام المجتمع الإنساني . بعد قيامه على أساس العقيدة .
ومن ثم هذه الرعاية للأسرة في النظام الإسلامي ، وهذه العناية بتوثيق عراها ، وتثبيت بنيانها ، وحمايتها من جميع المؤثرات التي توهن هذا البناء - وفي أول هذه المؤثرات مجانبة الفطرة ، وتجاهل استعدادات الرجل واستعدادات المرأة وتناسق هذه الاستعدادات مع بعضها البعض ، وتكاملها لإقامة الأسرة من ذكر وأنثى .)الظلال ج1 /574. ومن هنا نجد عناية الإسلام بالأسرة في القران والسنة وسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم فيقول الله عز وجل: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6} ا
ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :(كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)
ولا يستطيع عاقل أن ينكر التشريعات التي وضعها القران للأسرة في كثير من الآيات بل أفرد لها مواضع بطولها بل أقول سور بطولها في البقرة والنساء والنور والأحزاب والتحريم والطلاق وغيرها . وأيضا ما وضعته السنة المطهرة من تشريعات وتنظيمات في الآداب والواجبات والحقوق لكل فرد من أفراد الأسرة يكفي أن يقيس رسول الله صلي الله عليه وسلم الخيرية للفرد بميزان الأهل (خيركم خيركم لأهله ) وبقراءة التاريخ والنصوص في شعائر ومشاعر الحج نجد صورة مثلي للأسرة المسلمة بكل أفرادها
ففي هذه القراءة نجد
1- الزوجة المسلمة التي تحفظ زوجها وترضي بقضاء ربها وتؤدي في سبيل الإسلام دورها والمدركة وظيفتها في الحياة . 2- ونجد أيضا الزوج الصالح الفاهم لدينه القائم علي تربية بيته والمشغول بأهله والمؤدي ما عليه من دور في الحياة بغير أن يشغله الأهل والولد عن خالقه ومولاه. 3- ونري الولد الصالح البار بوالديه المتعاون معهما المطيع لأوامرهما في حدود طاعة الله ولو كلفته هذه الطاعة روحه ونفسه . 4- بالجملة نجد صورة وضيئة لحياة مثلي داخل أسرة مسلمة نري ذلك واقعا عمليا وأوامر تتلي . بداية يحدد الإمام الشهيد حسن البنا أركان الأسرة في ثلاث ( التعارف – التفاهم – التكافل والتضامن ) وان كان يقصد الأسرة التربوية في داخل الإخوان إلا أنها أيضا أركان لأسرة النسب بل من باب الأولي . فلنقرأ الآن هذه الأركان في رحلة الحج :
أركان الأسرة المسلمة من خلال رحلة الحج 1-التعارف : وان كان المقصود بالتعارف أن يكون كل أفراد الأسرة معروفون لبعضهم ليس فيهم مجهول النسب ولا الدعي ولا اللقيط ولا من ليس منهم إلا أنا نلحظ معني آخر وهو ما يمكن أن نسميه بالمكاشفة أن يكون كل فرد في الأسرة صفحة مفتوحة وكتابا مقروءا.للآخرين.
فلقد كان أول التقاء لأول أسرة في الأرض في مشعر من مشاعر الحج (عرفات) حيث التقاء أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام وهناك تعارفا ولذا سمي بعرفة . 2- التفاهم : ومقصود التفاهم تناغم الأفكار والأهداف والتقاء الأرواح علي مقصد واحد وهذا من ضمانات النجاح والسعادة أن تكون الأسرة كلها أصحاب هدف واحد تتكاتف كل الأيدي وتتضافر كل الجهود للوصول إليه وتحققه سواء في هذا الرجل والمرأة والأولاد .ومعلوم أن الهدف والغاية التي تسعي الأسرة المسلمة إليه هو مرضاة الله عز وجل .وهذا واضح في الدور العظيم الذي فعلته أمنا هاجر وولدها إسماعيل عليهما السلام عند البيت ومدي رعاية الأم لولدها مع يقينها في ربها انه لن يضيعها وذلك لما ذهب بهما سيدنا إبراهيم إلي هذا المكان القفر حيث لازرع ولا ماء ويتركهما هناك والأمر صعب علي نفس المرأة حيث أن أول ما يشغل ذهن المرأة أصلا هو قضية الرزق والمستقبل غالبا وهذا لضعفها الذي خلقت عليه ؛فكيف تترك بلا مأوي في هذا المكان ويزداد الأمر صعوبة بوجود الرضيع معها وهذه قضية تنهار بسببها بيوت كثيرة وهي قضية إعسار الزوج وقصر ذات اليد فما بالك أن ادني الحقوق هاهنا منعدمة وغير مستساغ في عرف جميع البشر .وهذا يعطينا درسا عظيما وهو أن حاجات النفس تنسي أو يتغلب عليها شريطة أن يكون هناك توافق نفسي بين الزوجين فمن الممكن أن تعيش الزوجة مع زوجها علي الكفاف إذا كان هناك نفاهم بينهما ولن يتحقق التفاهم في أي أسرة إلا إذا كان الزوج والزوجة طريقهما واحد وهدفهما واحد –إرضاء الله عز وجل – فإذا قامت الأسرة علي الطاعة والعبادة واليقين والرضا بما قسم الله تحول الصعب إلي سهل والحزن إلي فرح بل المستحيل في عرف الناس ممكنا .
فهاجر تسجلها لكل زوجة مسلمة من بعدها (آلله أمرك بهذا ؟ قال: نعم، قالت:إذا لن يضيعنا ). فالأسرة السعيدة هي التي تعيش في كنف اليقين والرضا والإيمان والمال لايسعد أسرة ولا يضمن لها التوافق والتفاهم إذا افتقد الإيمان والهدف والوظيفة . وعلي الجانب الآخر فالزوج مهتم بأمر أسرته ومشغول بشأنهم ويتجسد هذا في دعائه وابتهاله : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {37ابراهيم ولكن هذا الانشغال بحالهم ومستقبلهم ،الواضح في طلبه من الله لهم أن يرزقهم من الثمرات لا يجعله ينشغل عن علاقته بالله عز وجل ووظيفته الأصل ، بل الزوج الصالح يجعل من أسرته عونا له علي وظيفته ودعوته وهدفه في الحياة فيحاول أن يربطهم بالله عز وجل . لاحظ في دعاء سيدنا إبراهيم (ربنا ليقيموا الصلاة ) ولاحظ قوله ( لعلهم يشكرون ) وبهذا يضمن الله له النجاح والقبول . والأسرة المتفاهمة التي تتجه بكل أفرادها إلي مرضاة الله حقيقة بأن يخلد الله ذكرها ويجعلها أسوة لغيرها . 3- التكافل والتضامن : ونعني به التعاون الكامل بين كل أفراد الأسرة كل حسب إمكاناته وقدراته فالزوجة عليها واجبات ولها حقوق وكذلك الزوج والابن، ويتضافر هذا الجهد كله ليصب في النهاية في بوتقة العمل للإسلام . وهذا ما أشار إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع بقوله ( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) فهذا الجزء من خطبة رسول الله صلي الله عليه وسلم يشير إلي مجمل الحقوق والواجبات والي المقياس الذي تقاس به علاقة الإفراد في داخل الأسرة من حيث السمع والطاعة وأن الضابط في هذا هو موافقة أمر الله عز وجل أو عدم موافقته ( فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ولكن إذا أمر الله بأمر فحال الجميع سمعنا وأطعنا ولو كان علي خلاف الهوى ، تماما كما حدث مع هذه الأسرة المباركة أسرة سيدنا إبراهيم التي تصاحبنا في كل مشاعر الحج – عندما أمر الله سيدنا إبراهيم أن يذبح سيدنا إسماعيل ، فما كان من الزوج إلا أن استجاب لأمر الله وما كان من الولد إلا البر والطاعة ولو كان الثمن الحياة وما كان من الزوجة إلا الرضا بأمر الله وان كان الأمر علي خلاف كل تصورات البشر ولما حاول الشيطان أن يتسرب لهذه الأسرة المباركة فلم يجدوا له أمام أمر الله جزاء إلا الرجم وتكون شعيرة للمسلمين من بعدهم لتخلد لنا صورة عائلة مسلمة أمام أمر الله كيف تكون ؟ وكل الحقوق والواجبات بعد ذلك راجعة لهذا الأصل العام ،وتفصيلها يطلب في مظانه من كتب الفقه .

0 التعليقات:

إرسال تعليق