تناولت كتب السيرة أحداث الهجرة ووقائعها وأشخاصها، ولعل المهتم بدراستها يرى في كتاب (المنهج الحركي للهجرة النبوية) لمؤلفه منير الغضبان تناولاً مختلفًا يربط أحداث الهجرة ودروسها بكل ما حدث وما سيحدث، وما يمكن أن يتعلق بالحركة الإسلامية، فتتفاداه في المستقبل.
وقد أوضح المؤلف- في مقدمة كتابه- الباعث الرئيس الذي دفعه أن يكتب عن السيرة بهذا الشكل المختلف فيقول: "أما فكرة المنهج الحركي للسيرة فقد انبثقت في الفكر انبثاقًا يختلف عن الأصل الذي كنت أفكر فيه، لا أزال أذكر في بداية الستينيات عندما طلع علينا الشهيد سيد قطب- رحمه الله- في كتابه (معالم في الطريق) وكان نقطة تحول حساسة في الفكر الحركي الإسلامي، وقفتُ مليًّا أمام هذه الفقرة (والسمة الثانية في منهج هذا الدين هي الواقعية الحركية، فهو حركة ذات مراحل، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها، فهو لا يقابل الواقع بنظرات مجردة، كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجددةٍ، والذين يسوقون النصوص المختلفة بكل مرحلة منها، الذين يصنعون هذا يخلطون خلطًا شديدًا ويُلبسِون منهج هذا الدين لباسًا مضللاً، ذلك أنهم يعتبرون كل نصٍّ منها كما لو كان نصًّا نهائيًّا، يمثل القواعدَ النهائيةَ في هذا الدين، ويقولون- وهم مهزومون روحيًّا وعقليًّا تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان-: إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع أو يحسبون أنهم يُسدُون إلى هذا الدين جميلاً بتخليهم عن منهجه، وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعًا، وتعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد، لا بقهرهم على اعتناق عقيدته، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة".
وهنا نستعرض من كتابه القيم ما يتعلق بحادثة الهجرة، يقول المؤلف تحت عنوان (اختيار الأرض وسرية التجمع فيها والهجرة إليها): يقول ابن إسحاق: "فلما أذن الله تعالى في الحرب، وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن تبعه وآوى إليه من المسلمين أمر رسول الله أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكةَ من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحاق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأتمنون فيها، فخرجوا وأقام رسول الله بمكة ينتظر أن يأذن له ربه بالخروج من مكة والهجرة إلى المدينة".
لقد قيلت مثل هذه الكلمة من رسول الله للمسلمين يوم دعاهم للهجرة إلى الحبشة "إن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد"، أما اليوم فقد جعل الله لكم إخوانًا ودارًا تأمنون فيها.
والفرق بين المركزين والمنطلقين واضحٌ من حيث الموقع؛ حيث نجد الحبشة بعيدةً ولا تصلح لتكون مركزًا لإقامة الدولة بعيًدا عن الأرض والبيئة العربية، ومهما قَوِيَت فستبقى محصورةً ضمن إطار المهاجرين أنفسهم، والحركة ستكون مشلولةً للمواجهة، بينما نجد المدينة وإن كانت بعيدةً عن مكة لكنها تحتل موقعًا حسَّاسًا بالنسبة لمكة، فهي قادرةٌ على خنق مكة اقتصاديًّا؛ لأن طريق قوافل قريش عليها، والتجارة عصب الحياة لقريش، كما أن البيئة واحدة والعرب يمكن أن تتمَّ الدعوةُ في صفوفهم وأن يتقبلوها.
ومن حيث البيئة فالاعتماد في الحبشة على الحاكم العادل الذي قد يتغير في أية لحظة فيصبح المسلمون على خطر داهمٍ، وقد رأينا أن ذلك قد وقع فعلاً حين قامت الثورة ضد النجاشي، فهيأ للمسلمين سفينتين ليغادروا الحبشة إن تم النصر لعدوهم، وهو يعلم أن المسلمين هم المستهدفون من هذه الثورة.
والحركة الإسلامية لا بد أن تراعي أنها حين تبحث عن الأرض ليست دائمًا تملك الحرية التي تريدها للاختيار، فقد تضطرها الظروف إلى مكانٍ غيرِ مناسبٍ تمامًا، ولا بد لها من قبوله ريثما تجد المكان الأفضل.
لقد بقيت الحبشة مأمنًا للمسلمين فترةً طويلةً، حتى بعد وجود يثرب، ولكنها لم تكن مركزًا لإقامة الدولة، وحين أُتيحت الظروف في المدينة كانت، فتوفيقٌ ربانيٌّ أن قَبِل وفد الحجيج اليثربي الإسلامَ، فلو فشلت المفاوضات مثلاً في الحماية أو نجحت محادثات "شيبان" أو "كندة" لكان الموقع متغيرًا حسب المعطيات القائمة، وأدَّى هذا إلى رحيل عائلات بأكملها، فقبيلة بني غنم رحل أربعة عشر رجلاً منها وسبع نسوة لمجرد الإذن بالرحيل، كما تحرك عمر- رضي الله عنه- وأهله وحلفاؤه، وتتابع المسلمون يهاجرون، فلا يحس المشركون إلا وهم خارج مكة.
القضاء على القيادة
وتحت عنوان (اجتماع العدو للقضاء على القيادة) يقول المؤلف: فلما رأت قريش أن رسول الله قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم وغير بلدهم، ورأَوا خروجَ أصحابه من المهاجرين إليهم، وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج، فعرفوا أن الدار دارُ منعةٍ، وأن القوم أهل حلقة وبأس وشوكة، فخافوا خروج رسول الله إليهم ولحاقه بهم وعرفوا أنه أجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار الندوة- ولم يتخلَّف أحدٌ من ذوي الرأي والحجة منهم- ليتشاوروا في أمره، فقال أبو جهل: إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد، فقالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًّا جلدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كل فتى سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربةَ رجلٍ واحدٍ، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرَّق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم.. قال: يقول الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا رأي غيره، فتفرَّق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه.
وهذه السمة تعني أن اغتيال القيادة وإنهاءَها هو هدف رئيس بالنسبة للعدو، وكثيرًا ما يتصوَّر العدو أن انتهاء القائد يعني انتهاء المواجهة والجهاد والثورة، وبالرغم من خطورة هذا الأمر والدور الرئيس للأمير في الجماعة، فليس هذا التصور صحيحًا بشكل دائم، إنه قد يعيق الحركة، وقد يجهض الثورة، لكنَّ المعاني الإسلامية المتغلغلة في نفوس شباب الدعوة لا يمكن أن تنتهي بانتهاء القيادة.
ولقد رأينا كيف أن الشيخ النجدي- الذي حضر اللقاء- كان يفنِّد كل رأي غير رأي القتل، ويحذِّر من خطورةِ بقاءِ الرسولِ حيًّا، وهو الرأي الذي كان يحرص على الوصول إليه مع المتشاورين، والشيطان الذي وعده الله تعالى أن ينظره إلى يوم البعث نلاحظ أن مخططاته تنصبُّ دائمًا في رءوس أتباعه على إنهاء القيادة المسلمة في الأرض إنهاءً تامًّا، بل لا يدع للرأي المعتدل مجالاً أن يسود مهما كان.
محاولات يائسة
ولهذا نرى المحاولات اليائسة التي يقوم بها أعداء الإسلام لإنهاء الحركة الإسلامية عن طريق قتل قياداتها إعدامًا أو اغتيالاً، والذي يلحظ الحاكمين وهم يواجهون الحركةَ الإسلاميةَ رغم اختلاف مشاربهم ونوازعهم يلتقون جميعًا على قتل هذه القيادات، ففي مصر مثلاً كان اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا هو الهدف الرئيس الذي لا ترضى إنجلترا بدونه بديلاً، وقد التقى هدفها مع هدف الملك فاروق في ذلك.
وحين قامت الثورة المصرية كانت ترى في هذا الاغتيال ظلمًا كبيرًا حتى إنها شكَّلت محكمةً لمحاكمة قتلة الإمام الشهيد، غير أنها عندما رأت قوةَ الحركة الإسلامية سلكت الطريق نفسه الذي سلكه قبلها فاروق، فأقدمت على إعدام الدفعة الأولى للإخوان المسلمين والمكوَّنة من ستةٍ من قادة هذه الجماعة وعلى رأسهم الشهيد عبد القادر عودة ويوسف طلعت، ورغم مرور عشر سنوات على هذه المجزرة كان سيد قطب- رحمة الله عليه- من البقية الباقية من القيادة المفكرة للجماعة، ومنذ أن رأى الحاكم الطاغية القوةَ الفكريةَ لسيد تجتاح الأرض المصرية- وكان الاتحاد السوفيتي هو الذي يصرُّ هذه المرة على رأسه- فأعدمه دون أن يحتج أحدٌ من الحاكمين المسلمين وغير المسلمين- باستثناء طلب الملك فيصل رحمه الله- على ذلك، ورغم خطورة الإقدام على إعدامه واستياء العالم الإسلامي لذلك لم يتراجع الحاكم عن موقفه، ولم يرضَ غير الإعدام له مع إخوانه
عوامل النجاح
ثم ينتقل بنا المؤلف إلى أهم العوامل التي ساعدت في إنجاح هذا التخطيط، فيوضح في عدة عناصر عوامل هذا النجاح تحت عنوان (عبقرية التخطيط البشري في الهجرة) وهي مبيت علي رضي الله عنه في فراشه؛ حيث يوضح الكاتب مدى احتياج الحركة الإسلامية إلى أن تدرك واجبها في الإعداد لمواجهة العدو رغم اعتمادها الأول والأخير على الله تعالى، لا أن تُحيل تقصيرَها وضعفَها وتهاونَها على القَدَر، وتتوجَّع على عدم بصر الله لنا ونحن المسئولون عن ذلك.
الخروج في النهار (وقت الظهيرة): إذ إن هذه الساعة بالنسبة للناس ساعة القيلولة، وقلَّما يوجد إنسان في مكة خارج بيته من شدة الحر، خاصةً إذا عرفنا أن الخروج كان في أوائل أيلول في آخر شهر من أشهر الصيف، كما حققه العلامة المباركفوري، فهذا الخروج هو أضمن ما يكون للسرية، وأضمن أن يخفى عن العيون.
الخروج من الكوَّة: إذ قد يكون بيت أبي بكر مُراقبًا، وهو احتمال كبير بعد أن فات رسول الله المشركين، وإذا كانت المراقبة قائمةً من بيت مجاورٍ أو من مكانٍ فيه ظِلٌّ بعيد عن الأنظار فستكون المراقبة لباب البيت بالذات، يرصد فيه الداخلون والخارجون، فالخروج من مخرج سرِّي بعيدٍ عن المراقبة يعني ضرورةَ المحافظةِ الدائمةِ على السرية ووضع الاحتمالات الكثيرة لتخطيط العدو ومراقبته.
الاتجاه إلى الغار: وإذا توقعنا تخطيطَ مكة للقضاء على الرسول- عليه الصلاة والسلام- فسوف يكون طريق المدينة مرصودًا من جمعٍ غفيرٍ من الفرسان حتى يُحال دون وصوله إليها، كما أن التفكير البشري سينصبُّ طبيعيًّا على رصده؛ لأنه هو هدف الرسول- عليه الصلاة والسلام- وفي القبض عليه إنهاءٌ للمعركة كاملة معه، فاتجاه الرسول إلى الغار فوَّت على العدو مخططَه، وأحبطه، وفوَّت فرصةَ القبض عليه.
الغار على غير طريق المدينة: وتبدو عظمة التخطيط أكثر حين نعلم أن غار ثور في جنوب مكة، وليس على طريق المدينة حيث احتمالات الرصد.
المخابرات في مكة: أمر أبو بكر- رضي الله عنه- ابنَه عبد الله أن يتسمَّع ما يقول الناس فيهما نهارَه، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، فلا يكفي بقاء المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر في الغار مدةً معينةً، ثم ينطلقان- حسب التقدير- إلى المدينة، لا بد من التعرف مباشرةً على كل أسرار العدو ومخططاته وتوقعاته، بحيث تصل أولاً بأول إلى رسول الله.
ولهذا كلما كانت قيادة الحركة الإسلامية أعلمَ بواقع العدو وأدرَى بأسراره ولها في صفوفه من ينقل إليها كل تخطيطاته.. كان ذلك أنجح لها في تنفيذ خططها ومخططاتها، وما يوم حليمة بسرٍّ، والمحنة الرهيبة في حماة كان من أكبر أسبابها جهل القيادة بطبيعة مجريات الأمور هناك، وانقطاع الاتصال بين القيادة في الخارج والقيادة الميدانية في الداخل أسهَمَ إلى حدٍّ كبير في تطور الأزمة ومضاعفتها.
تأمين الزاد: حيث كان هذا دور أسماء بنت أبي بكر، فقد يكون المقام طويلاً في الغار، ولو انقطع الزاد عنهما فقد يهلكان من الجوع، ومن حقنا أن نتصور أنه بإمكان أسماء أن ينقل أخوها عبد الله لها صورةَ الواقعِ، وتنقل هي الزادَ والأخبارَ لرسول الله، لكنَّ قدرةَ أسماء على استيعاب الخبر وأبعاده أضعف من قدرة عبد الله، فلا بد من اعتماد أوثق الطرق كذلك في الوقت الذي كانت أسماء فيه أقدر على تأمين الزاد، ولكلا الأخوين اختصاصهما ومكانهما المناسب.
إعفاء الأثر: وإذا كان اقتفاء الأثر خيرَ دليل لمعرفة وجودهما في الغار، ولا سيما أن أسماء وعبد الله كانا يأتيان يوميًّا إلى الغار، فكانت غنم عامر بن فهيرة هي التي تأتي على آثار أقدامهما فتُعفِي الأثر وتزيل الاحتمال.
والشباب المجاهدون في القواعد والمختبئون فيها لهم في هذا الدرس- بكل جزئياته- ما يدفعهم إلى التعرف على كل وسائل السرية المطلوبة، وفقدان عنصر واحدٍ من هذه العناصر يجعل القاعدة معرَّضةً للكشف من العدو.
الاستمرار ثلاثة أيام: لأن الخروج إلى أي مكان في الأيام الأولى يجعلهما عرضةً للوقوع في قبضة العدو، كما أن المدة الزمنية هذه كانت مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بالمعلومات المقدَّمة من عبد الله بن أبي بكر عن خفة الطلب عليهما، كما أن الاستقرار أكثر من اللازم قد يلفت النظر من الآخرين؛ حيث يتكرر المرور عليهما من أسماء وعبد الله كل يوم.
الإرادة الربانية تتدخل: حيث خرج كفار قريش يطوفون في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه، فقال أبو بكر لرجل مواجه الغار: يا رسول الله إنه ليرانا، فقال: "كلا إن ملائكةً تسترنا بأجنحتها" فجلس ذلك الرجل فبال في وجه الغار، فقال رسول الله: "لو كان يرانا ما فعل هذا"، والدعاة إلى الله بحاجة دائمًا إلى أن يكون راسخًا في أعماقهم عونُ الله لهم حين تعجز قوتهم البشرية عن إدراك ما يخطط لهم العدو بعد استنفاد الطاقة واستفراغ الوسع، وأن تكون لديهم القناعة التامة كذلك بأن النصر أولاً وأخيرًا بيد الله.
الاستفادة من خبرة المشركين: حيث استأجرا عبدَ الله بن أريقط ليكون دليلهما في الرحلة وهو ما زال على شِركِه، فالاستفادة من خبرته قائمة ما دام مأمونًا لا ينقل الأخبارَ للمشركين، وعلى هذا فالاستفادة من الطاقات غير الإسلامية ممكنة حين تجد الحركة الإسلامية نفسها مضطَّرةً لذلك، على أن يكون أصحاب هذه الطاقات مأمونين وموثوقين.
متابعة التمويه: حين سُئِل أبو بكر: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني الطريق، يعني به سبيل الخير.. إن الدعاة إلى الله لا بد أن يكونوا على قدر من الوعي والنباهة وحضور البديهة وحدَّة الذاكرة، ما يجعلهم قادرين على خداع عدوِّهم والإفلات من يديه دون أن يستعمل أسلوب الكذب الصريح إلا عند الضرورة.
سُراقة والتعامل معه: وفي هذا درس مهمٌّ للحركة الإسلامية، وهو أن تملك القدرة على تحديد العدو من الصديق، وذلك في صفوف الكفار أنفسهم، وللحركة الإسلامية أن تأخذ من قلب أعدائها مَن تصبح القناعة عنده بانتصارها ليتعامل معها ويناصرها.
والنقطة الثانية أن لا يكون الحكم على الرجل أو الفئة من خلال القريب أو البعيد في عدائهم للإسلام، فمناط الأمر هنا في الثقة.
إن الحركة الإسلامية في مسيرها لإقامة دولة الإسلام قد تتحالف مع عدوٍ قريبٍ وتتعاون معه، بل تطلب منه جزءًا من المناصرة جليلاً أو يسيرًا إذا اطمأنت إليه، ولا شيء عليها إن أصابت التقدير بعد ذلك أو لا.
النقطة الثالثة التي نفقهها من هذه الحادثة هي فكرة الأمان لهذا العدو الذي غيَّر موقفه، وأعلن مناصرته وولاءه.
إن سلوك الكافرين ومواقفهم من الحركة الإسلامية يجعل لدى الحركة حريةَ التعامل معهم من خلال هذه المواقف؛ بحيث يكون الأمر في النهاية لصالح الإسلام ودولته، وكم نتمنَّى للقاعدة الإسلامية الصلبة أن تكون عونًا لقيادتها على هذا التحرك، لا أن توجَّه لها سهامُ النقد والتجريح والاتهام في وعيِها على أقل الأحوال ليصل الاتهام إلى دينها في أغلب الأحوال.
قصة أم معبد: والذي يعنينا منها أنها كانت على بعض الروايات سببًا في ملاحقة النبي- صلى الله عليه وسلم- والراكب معه، وعلى الأقل حدَّدت هذه الزيارة مكانَ السير، ومع ذلك فلم يكن لهذا الأمر ما يُثِير الغبار حول كشف المخطط أو مكان السير وطريقه، وقصدنا من هذه الملاحظة التأكيد على أن ما يتم فوق الطاقة البشرية من كشف لجانب من جوانب الخطة قد يكون قوةً للدعاة.
فالبرغم من أن السرية التامة كانت على الجميع حتى العصبة المؤمنة ما عدا من اشترك فيها (عائشة وأسماء وابن أريقط وعبد الله وابن فهيرة) مع هذا كله تكشَّف جانب من الخطة كان فوق التقدير البشري.
ويُنهِي المؤلف كتابه قائلاً: وما أحرانا ونحن قد شهدنا عبقرية التخطيط أن لا تغيب عنا هذه الجوانب:
أولاً: علينا أن نستفرغ الوسع ونبذل كل الطاقة في التخطيط البشري.
ثانيًا: أن يكون اتكالنا على الله تعالى دون اعتمادنا على الأسباب.
ثالثا: أن نقبل قضاء الله وقدَره فيما هو فوق طاقتنا، ونطمئنَّ إلى أنه خيرٌ للإسلام والمسلمين.
هذا وبالله التوفيق
نقــلاً عـن مـوقع الإخــوان المسلميــن
2 التعليقات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع رائع بجد انا كنت بقول مش هذاكر وكمان مش هكمل جامعه اصلا بكده اخذت شوية تشجيع
الله يكرمك ويجزيكي الخير ويجعل اعملك في ميزان حسناتك
تحتاتي
حياكِ الله حبيبتي
والله أنه أثر رائع للموضوع أتمنى أن يرزقني الله الإخلاص في العمل ويرزقني أجمل الأثر
ربنا يفرحك يا رب يا أحلى توتة
وبإنتظار أعرف آخر أخبارك حبيبتي
والنتيجة (a)
خالص وديي وإحترامي
إرسال تعليق